الأحد، 14 يونيو 2009

لست أنت (قصة)

لا أدري لم أنكر أنوثتي؟
أشعر أنني أنثى و رغم ذلك أخفيها, لا أرفضها و لكن أخفيها, أحياها سرا في داخلي مع ذاتي.
قد كنت طفلة ناعمة, و يافعة ناعمة , لكني كنت أقلد حركات الصبية و مشيتهم كي أؤكد للجميع أني لست امرأة.
أطفأت اليوم شموعي التسعة عشر بعد أن أطفأت الثلاثة عشر و لكن حين أنظر في المرآة لا أشعر بذلك.
أنظر إلى مكتبتي و أنا ممددة على سريري الصغير أطوف بعشرات بل مئات الكتب التي قرأتها في حياتي و أحاول أن أسترجع أمتعها, إنه أدهم صبري, كم كان كاملا هذا الرجل, شريفا, وطنيا مخلصا, كم أحببته, رجل المستحيل, كان يدخلني قصصه و أنا في الثالثة عشر أطوف و أجول معه نركب طائرات ,سيارات,غواصات , دبابات , نغامر و ننتصر , كم حسدت منى مساعدته على ذلك الحب العذري , المهذب , الرومانسي,كم حسدتها على ذلك الإخلاص و الوفاء و الالتزام,تمنيت أن أجد رجلا مثله في الحياة , في الواقع و لكن لم يحدث أبدا أبدا.
كم كرهتك يا سونيا جراهام على عدائك لهذا الحبيب الطاهرطهر الأبطال.
لم أغمض عيني, أنا واثقة من ذلك حين رأيته في غرفتي, لا أدري تحديدا من أين ظهر لي, من المكتبة أم خرج توا من إحدى رواياته.
لم أحتاج أن أسأله من أنت؟ فقد كنت أعرفه تماما بشعره الأبيض في جانبي رأسه و سترته السوداء و ملامحه الجادة وعينيه الحنونتين.
نظر لي مبتسما و قال: كل سنة و أنت طيبة يا بثينة.
نظرت إليه بين الانبهار و الذهول و الدهشة و لم أخف ابتسامتي هذه المرة و سألته: أتعرف اسمي؟
- نعم, و أعرف عنك الكثير و الكثير.
- من أين؟.
- ألا تعرفين عني الكثير؟.
- لقد قرأت رواياتك.
- و أنا قرأتك أنت.
- قرأتني؟ ! .
و لم يعطني فرصة , مد يده إلي ليأخذني معه.
سألته: إلى أين أيها النبيل؟
و لم أسمع إجابة بل وجدتني في عالم عجيب و غريب,المبان هي هي و لكنها مطلية حديثا و الناس منمقون , الشوارع تكاد تخلو من المارة, لم ألحظ مطاعما للفول و الكشري,المواصلات تمر على فترات متباعدة و تكادتكون فارغة , الشمس تشرق و لا تحرق و القمر إما بازغا يعطي جمالا و إما غائبا يعطي رهبة حتى الجو جميل و صافي أما السحب فتعطي خلفية و رومانسية للمنظر الرائع في هذا العالم ..... الغريب.
أخذني معه إلى منزله لأجلس مع أخيه العالم و الحاصل على جائزة نوبل, كم هو جميل ن أجالس عالما جليلا, لاحظت أن الطعام الذي أمامنا لا ينقص و كل شئ كان مرتبا , و نحن نأكل و لا نأكل, لم تقع ملعقة عرضا أو ينكسر طبقا , أو ينسكب كوبا , كل شئ تمام.
فكرت في مأساة اغتيال أبيه و نظرت إليه و قلت في نفسي كم أحبك.
بدأنا المغامرة و واجهت منى مساعدته, كم هي جميلة تلك الفتاة , عندما كانت تغير ملابسها أمامي تعجبت من كم الرصاصات التي أصيبت بها, فقد كان أبي ضابطا بالجيش و أخبرني أن الرصاصة الواحدة تقتل الرجل و غالبا ما يسقط صريعا في الحال.
كم أنت عظيم يا أدهم , نظراته مهذبة, لا يفوت صلاة واحدة لأنه مرهق أو سرقه الوقت , لم يقف بالسيارة مرة لشعوره بالعطش أو لقضاء الحاجة.
يا له من عالم نظيف يناسب واحدة مثلي.
إننا نقوم بمغامرتنا بمنتهى السلاسة و اليسر, حتى المصاعب التي نواجهها أعلم تماما أنه قادر على حلها في وقت قياسي, الرجل عنده حلول لكل شئ.
سألته: لم أر دموعك يوما يا أدهم؟.
- ذلك لأني بطل يا بثينة, و كيف تسيل دموعي؟ أكنت تحبينني إن سالت دموعي؟.
- ربما لا.
أصغيت إلى نفسي و أدركت أني أحببت فيه الكمال.
- هيا يا بثينة.
- إلى أين أيها النبيل؟.
لقد اختنقت هنا, فأنا لم أتجشأ يوما, و لم أصب بالشرقة , لم أدخل حماما و لم يغص الكلام في حلقي و لم ترتعد فرائصي أمام امرأة و لم آت بحركة حمقاء و لم أتكلم كلمة غير موزونة منذ عشرون سنة.
- و لكن هنا أفضل, هنا كل شئ جميل.
- جميل و ليس حقيقيا.
- و ما قيمة الحقيقة, لا تدعنا نذهب أرجوك.
- الحقيقة هي الحقيقة يا بثينة, حتى لو عشنا هنا ألف سنة, لن تغن عن الحقيقة شيئا.
ركضنا معا لنخرج و تبعتنا منى و لكنها احتجزت في الداخل.
سألته: لماذا لم تستطع منى العبور؟
- لأنها لم تجد رجلا يحبها .
- و لكنك كنت تحبها.
- عندما أحببتها كنت غير حقيقي, كانت تحتاج رجلا حقيقيا يحبها.
- إذا حبي لك ما جعلك حقيقة؟.
- نعم , حبك أنقذني من أن أظل حبيسا في رواية.
- تريد أن تقول أن حبي لك هو الذي حولك رجلا حقيقيا؟.
- حبك لي ولدني من جديد فأصبحت موجودا هنا , الآن.
وجدت نفسي أمام مبنى كبير في شارع أسفلتي, أحسست بالبرودة فقد كان الجو باردا, خلع سترته و وضعها على كتفي, نظرت إليه نظرة امتنان و نظر إلي نظرة حب لا تخلو من الرغبة و رأيت حبات العرق على جبينه , استأذن مني لحظات , سألته: إلى أين؟
- قال إلى الحمام.
عندما عاد كان العرق أغزر على جبينه مما تركني و كان وجهه يتلون بين الأحمر و الأصفر و تعبيرات وجهه تتقلص و تنفرد.
و قال: أتتزوجينني يا بثينة؟.
و أجبت و أنا مليئة بالخوف: دعني أفكر.
تزوجنا و لم يكن الأمر سهلا و لكن شعرت بدفئ لم أشعر به في الروايات , كان يتذمر فأذكره أني أنا التي ولدته فيعود مهذبا طيعا.
كان زوجا مصريا و لكن عصريا بعض الشئ , يساعدني في أعمال المنزل و يدخل معي المطبخ -أحيانا- و كنت أسأله لماذا لا يجعلني أتحجب فيخبرني أن الطريق إلى الله طويلة و نحن نمشيها خطوة خطوة.
عندما كان يرى رواياته في المكتبة كان يشرد قليلا فأذكره أنه هو الذي اختار عالمي بدلا من عالمه, فيميل علي يناجيني
قائلا: بذمتك أليس هاهنا أجمل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق