الاثنين، 29 يونيو 2009

لغة الصمت (قصة)

لماذا؟ لم تلك الندوة تحديدا؟ لم أحضر تلك الندوة منذ سنوات فلماذا اليوم؟ كان إحساسا أقوى مني لم أستطع تفسيره, منذ عشرة أيام و صوت بداخلي يناديني, منذ خمسة أعوام و الصوت يدفعني دفعا نحو قدر يبدو محتوما. عشرة أيام تنتابني خلالها مشاعر متباينة منذ أن أحضرت ذلك الكتاب الملعون موضوع الندوة , كتاب (أحلام المستغنامي) (فوضى الحواس), كتاب عشق غريب, كانت كلماته تستفزني و تداعبني, تنهرني و تتحداني , و أحيانا تستهزئ بي و تسخر مني, لأول مرة أجد كتابا يحدثني , نعم يحدثني ( هو رجل الوقت ليلا) (هو رجل الوقت عشقا) ( هو رجل الوقت عطرا) كانت الكلمات تغازلني و أنا الرجل الخجول رغم صولاتي النسائية الصادقة الكاذبة في آن واحد فكنت أحمر خجلا و أذوب عشقا, ( هو رجل المستحيلات) و كذلك أنا. وجدت نفسي مدفوعا بقوة خفية نحو حضور تلك الندوة التي تتطلب السفر إلى القاهرة و أنا رجل الموارد القليلة لكني قررت الحضور مهما كلفني الأمر , فقد كان موعدا يجب ألا أخلفه , مازلت أذكر أنها تقام في أول جمعة من الشهر, أثناء قراءتي للكتاب مررت برحلة عجيبة, أعدت النظر داخلي و حولي , أعدت النظر في كل حالاتي العشقية الماضية , دققت النظر فإذا بي أجدني عاشقا خائبا , لقد كنت دائما بين امرأتين إحداها تلقي بالشص في انتظار سمكة جائعة يغريها الطعم فتنقض عليه بلا وعي و لا رؤية فتفاجأ أنها سقطت في فخ اللامشاعر و الثانية امرأة أستعمل كل ما لدي من خبرات و مهارات لأجذبها نحوي فتقع هي في فخي هو صيد أيضا مع تحديد اسم الفريسة و عنوانها. قررت أن أمر خلال تلك الفترة برحلة من التطهر و أول ما فعلت أطلقت سراح داليا الفتاة الرقيقة الخدومة و المخلصة و التي اقتربت مني و رويدا رويدا سقطت في فخ الحب من طرف واحد, حقيقة لم يكن الأمر أبدا مسليا بالنسبة لي بل كانت ورطة دخلتها بوعي غير كامل و بعد انتهائي من (فوضى الحواس) تغير الأمر لدرجة أنني حاربت كي أطلق سراحها و نجحت و ما أن أمنت بعيدا عن العيون داخل سيارتي حتى سالت دموعي أو انفجرت , كان اغتسالا كاملا من تاريخ لا أفخر به و لا أقول أني غير مسئول عنه , بدا لي صوتا من داخلي يخبرني أني الآن و فقط الآن قد أصبحت إنسانا. في بداية أيامي العشرة شعرت أن الطبيب النفسي الذي تدار الندوة في مستشفاه يناديني و يريد أن يراني ذلك الطبيب الذي تحول تدريجيا منذ أن عرفته من طبيب إلى طبيب و أستاذ و من معالج إلى أب و معالج, ذلك الإحساس الذي تشعر به عرضا إذا كان والدك أو والدتك يشعران برغبة في رؤيتك فينتابك ذلك الشعور المغناطيسي الذي يجذبك إلى بيت أبويك فتفاجأ أن أحدهما أو كلاهما يريد أن يراك أو كانا يتحدثان عنك. بهذا الشعور المباغت بدأت رحلتي فاتصلت بالدكتور زاهر الطبيب المساعد لأخبره برغبتي تلك فأخبرني أنه كالعادة ستكون هناك ندوتان, علمية و سيقدمها الطبيب الأب بنفسه أما الندوة الأدبية فكتابها هو (فوضى الحواس) و لم أنبهر بأن الطبيب الأب سيقدم الندوة فقد كنت أعلم ........ كان داخلي يعلم. في هذه الأيام العشرة أحسست أنني لم أفكر أبدا قبلها كيف يقترب قطبي الحب أحدهما من الآخر ليحدث ذلك التفاعل الكيميائي العجيب, و هل هو تفاعل كيميائي فقط أم أنه فيزيائي كيميائي تدخل فيه الإشعاعات و الطاقة طرفا غير معلن أم أن يد الله فوق أيديهم, كنت دائما أنا الذي يذهب , يندفع , يتدحرج و ينحدر ليسقط أخيرا في زمن خطأ أو مكان خطأ أو عنوان خطأ , بدايات خاطئة تؤكدها النتائج الخاطئة دوما.
.............................
و تذكرتها , لقاءنا الأول كان لقاء عابرا في المستشفى بعد جلسة علاج جمعي حيث سألتها هل أنت أخصائية طب نفسي؟ و أساءت فهمي فردت بامتعاض: نعم و إلا فلم أنا هنا؟ فوجئت بأني أقابل امتعاضها بالصبر و أوضح أني أقصد بالسؤال أحصلت على الدراسات العليا أم ليس بعد؟ تغيرت كل ملامحها إلى نوع من الارتياح أثر في كل قسماتها فأضاءت نورا لا يراه أحد غيري, لم أفكر فيها ثانية رغم وجودي معها فقد كنت بصفة المريض و هي بصفة الطبيبة إلى أن جاء موعد طابور الجري لمسافات طويلة صباحا باكرا و حين عدنا كنت جالسا على السلم مستندا إلى درجاته حيث وقفت لتبادلني كلمات بسيطة عن انطباعي عن الجري خارج المستشفى و رددت بأدب و لكن عيناي كانتا تخفيان أكثر مما تبديان أو العكس.

هي امرأة الوقت صبحا هي امرأة النسيم عطرا
هي امرأة الموت خجلا هي امرأة الموت عشقا
من يومها كانت عيناها قد اخترقت شيئا بداخلي و زلزلتا كل شئ, لم تعد دنياي كما كانت و مع ذلك غفلت نفسي لكني لم أنسها يوما . خرجت من المستشفى بذكريات أغلبها سئ فيما عداها. مرت سنون و لم أرها ربما ثلاثة سنوات و طاب لي أن أذكرها أمام زاهر طبيبي المباشر الذي تحول مع الوقت إلى طبيب و أخ أو أخ و طبيب لست أدري, أبدى الرجل شيئا من الاستغراب أني مازلت أذكر اسمها و ابتسمت في نفسي فكيف لي أن أنساه.كان مزاجي يتحسن باستمرار و عرض علي الأخ الطبيب بأن أحضر الندوات و هكذا رأيتها للمرة الثالثة و لم يكن لي أن أفوت الفرصة دون أن أسلم عليها و قد فعلت, و فعلت النظرة فعلتها التي فعلت, لقد غيرت من مظهرها و من قصة شعرها , أصبحت تبدو أكثر نضجا و أكثر ثقة , أكثر تألقا و بريقا. كانت تقدم كتابا باسم هوس العمق للكاتب الألماني باتريك زوسكيند و كانت تقارن أعمال ذلك الكاتب و خاصة قصة العطر و في الواقع أن عطرها هو الذي كان يملأ المكان, عطرا لا يشم بالأنف و رغم ذلك تستطيع أن تستشعره إن كانت لديك الحاسة المناسبة . من يومها كانت الدنيا تتغير من حولي و من داخلي, أهو بفعل العلاج فقط أم هناك شيئا خفيا بجانبه لا أراه أو أخشى أن أراه فهو مخاطرة شديدة ... شديدة , موجعة ... موجعة و أنا رجل جبان , أخشى المغامرة و أخشى المخاطرة و أقولها للمرة الأولى في حياتي أنني أخشى الفقد قبل أن أخشى الحب , لا أتحمل الحرمان , الحرمان موجع لا أستطيع حتى تخيل مدى ألمه أو أن أستحضره , شئ مرعب حقا.
..........قمت بحجز تذكرة القطار و تأكدت أني ذاهب إلى الندوة و بدأت أفكاري تتركز أكثر و أكثر و حواسي تتفتح و تتفتح و ربما أصبحت نورانيا أو شئ كذلك. بدأت أتخيل و أسترسل في الخيال كيف سيكون شكلها و أي الأثواب ستلبسها و ما شكل قصة شعرها أما عقلي الواعي فكان يفكر إنها الفتاة الأولى .... نعم الأولى التي اقتربت مني بقرار منها , قرارا جريئا شجاعا موحيا, لقد رأتني ........... نعم رأتني أو أخيرا رأيت. ركبت القطار, (قطار الرحلة الأخيرة) و (المحطة الأخيرة) ليس لأنه لم يعد بالعمر بقية .... أو أني مجبر على النزول بل لأني و لأول مرة أجد محطة بكل حقيقة الحقيقة و بكل واقعها و بساطتها , إنها المحطة الأولى التي رأيتها وعيا و عشقا , هكذا اخترت أن يكون و كأني أنا الذي يخط قدره بيديه , أنا الذي يختار محطتي بكل إرادتي. كان القطار يسير مسرعا تلقاء القاهرة و كنت تارة أستعجله و تارة أستبطئه بين الأمل المفعم بالخوف و الرجاء المسكون بالإحباط, أسئلة طفولية قفزت في ذهني و كأني أداعب نفسي أتراها تذكرني؟ و كيف تنساني؟ أتراها ستأتي؟ و كيف تنسى موعدي؟ أتراه موعدا بيننا ؟ أم أنه خيالي؟ أثمة ما يربط بيننا؟ رابطة أقوى من كل رابطة عرفتها؟ رابطة أرقى من كل رابطة تخيلتها؟ قفز إلى إحساسي وقتها أني سأراها أقل وزنا قليلا منذ آخر مرة رأيتها, حقيقة كنت بين شك و شك , أخشى أن أصدق نفسي , أحقيقي ما أشعر به أم أن خيالي قد زاد وجدا حتى أنه قد بدأ يتخبط عشوائيا, لست أدري. هنا بدأت في استعجال رحلتي أنا الرجل المتعجل دائما, الثرثار كثيرا , المشتعل كجذوة اللهب. أثناء تداعيات أفكاري قررت أن أصمت ... نعم سأصمت من أجلها و لها, سأصمت تماما خلال الندوة لن أتكلم , سأرد المجاملات بكلمة أو كلمتين على الأكثر أما خلال المناقشات فلن أسأل و لن أعقب , لن أفعل شيئا سوى الصمت الجميل, الصمت بوعي, هكذا قررت , هكذا قدرت و هاأنذا أخط قدري بيدي ربما للمرة الثانية في حياتي, أنا رجل المستحيلات فلم لا أجرب مستحيلا آخر من أجلنا. وصلت إلى الندوة و صعدت بمصعد يصعد قلبي معه , بحثت بعيني فلم أجدها .... خيالات , أمراض, أوهام... لعنة الله و لكن سأصمت .. من أجلنا سأصمت , أربع ساعات من الصمت ليس كثيرا على تجربة جديدة , جلست و بدأت الندوة العلمية و لا أراها, أدور برأسي للخلف و للأمام و لا أراها , أيأس؟ .. إحباط؟ .. لا ستأتي أشعر بهذا داخلي تماما و لكن ربما كانت زيادة في الأوهام , فجأة أنظر ليدي اليسرى فأرى الدبلة الذهبية مضيئة بالكدر, لماذا لبست تلك الدبلة من حوالي شهرين و أنا الذي خلعها منذ ستة عشر سنة , أكنت أهرب من شئ أم الآن أهرب من شئ , مرة أخرى تنقذني (أحلام) سأدع مقود العشق يأخذني حيث يشاء..... سأصمت سأستمر في الصمت , لاحظت أن رأسي تومئ بإشارات تعني نعم و لا فأسكتها هي الأخرى , فليكن صمتا كاملا إذا حقيقيا إذا, و هي لا تأتي , تتابعت الندوة العلمية و انتهت و نجحت بالكاد في نصف المهمة, تكاد رأسي تنفجر, ألم و ألم و ألم و أمل و رجاء, هنا قفز داخلي إحساس أنها تعطلت و أنها في الطريق الآن و أنها ستقدم الندوة الأدبية هيهات أن أصدق وهمي بعد اليوم بل أخاف أن أصدق , أخاف ألا تأتي فيتضاعف ألمي و أنا عدو الألم , بل جبن لحد النذالة , أين أخلاق الفرسان و التي أدعيها إذن؟ أرأيت فارسا يخشى الألم إلى هذا الحد؟ ربما نعم. ألم و ألم و ألم و أبحث عن القهوة فلا أجد , إذا علي ركوب المصعد إلى الأسفل للبوفيه للحصول على قهوتي و ها أنا أتجه إلى المصعد لأجدها أمامي , أنحف قليلا و تعتذر عن التأخير حيث تعطلت في الطريق , تصعد بينما أهبط و بفرحة الطفل الذي وجد عنوانه بعد متاهة أيام أبادرها التحية .. كلمة أو كلمتين فترسل فرحة في نظرة و ابتسامة تشرق بعد طول غياب. ليست الفرحة الأولى فقد رأيتها في الندوة السابقة و كذبت نفسي أو بالأحرى خشيت أن أصدق , تصعد بينما أهبط فلا مجال للتراجع فقد كنت أمام المصعد كما أنني اخترت الصمت, أهبط و يهبط قلبي و يصعد, أنطلق إلى البوفيه, أستعجل الثواني, أطلب القهوة في عجالة, بدا واضحا أني على عجل بل في حالة هلع, أريد اللحاق بها, قهوتي يخطفها رجل قليل الذوق فكرت في إلغاء القهوة و لكن النادل بأدب جم يعتذر و يعد بفنجال آخر بمنتهى السرعة و لكنه يتأخر أو هكذا تخيلت لأصعد و قلبي يهبط عند قدمي, سأقول لها ... ماذا أقول؟ سأطلب أرقام هاتفها .... لكني اخترت الصمت .... لعنت الصمت كما لعنت الكلام .... أسيكون عندي الجرأة أن أطلب أرقام هاتفها؟ لابد و أن أفعل و لكني .... اخترت الصمت. ما أن وصلت القاعة حتى أجدها و قد جلست على الطاولة الرئيسية و عن يمينها طبيب سيستعرض الكتاب و عن يسارها ذلك المؤلف و القصصي الكبير الذي يبدو متواضعا طيبا, تلبس بلوز برتقالي معلنة أن الربيع قد وصل هذه المرة قد يكون وصل متأخرا, أو مبكرا قليلا هذا ما تمنيته, شعرها ينسدل خصلات رقيقة على جبهتها , لقد صارت فعلا أنحف من ذي قبل, البلوز يعلن عن أنوثة صريحة بسيطة و صادقة في نفس الوقت. بدأت في تقديم الندوة و كم أنا كاذب لقد كان تركيزي كله على يديها أولا رأيت اليمنى فوجدتها خالية ثم دققت في اليسرى و أنا الذي كان قد قرر أن يترك للحب مقوده!! و لكم كانت راحتي حينما وجدت يديها تعلنان عدم الارتباط , تبعد عني حوالي الخمسة أمتار, مجرد أنا من كافة أسلحتي و يدي مكبلتان بصمت اخترته و لكن بدأت رسالات غامضة من عيني لعينيها , رسالات من شئ صامت صادق لا أدري ماذا يسمى, أحيانا كنت أحاول أن أكبلها بنظرة اشتهاء أو إغواء فكنت أتراجع من فوري فأنا أقسمت لنفسي ألا أستعمل أسلحتي بعد اليوم , فأرتبك أكثر و أكثر , بدأت فرائصي في الارتعاد فلقد أحسست بقدومها قبل أن تأتي و أحسست بأني سأقابل زاهر و كنت واثقا أنه سيحضر رغم أني لم أقابله في الندوات السابقة أبدا فقد كان يفضل الاستمتاع بأجازته كما أني فوجئت أن أبي الطبيب كان قد امتنع عن حضور الندوات لمدة ستة أشهر و هذا يعني أن ذلك اليوم كان احتفالا بعودته و يعني أني دعيت أيضا للاحتفالية ضمن أبناءه و أعلم أني سأرتبط بها و رغم أن أفكاري هنا ضد المنطق الطبيعي و لكني أحسسته بقوة تستطيع أن تسميها خفية إن شئت و لكن .... ماذا إذا كانت باقي الأفكار المرعبة و التي بداخلي حقيقية هي الأخرى؟ معنى هذا أن حياتي ستمر بشهيق و زفير مدمرين إن جاز التعبير. كان الطبيب يقرأ الكتاب بينما بدأت هي في إرسال رسائل مضادة كنت أشعر بكل منها تتنوع بين الخجل و بين أنثى تخفي مشاعرها و بين إطراقات صمت و تفكير ثم تعود بنظرة حادة يملؤها التحدي فأدير نظري عنها بكل حنان الأب و الأم معا, سيدتي لم آت لأتحداك, سيدتي إني أعشقك, سيدتي أخاف ثم أخاف أن أفقدك , كانت تلك رسالاتي إليها بلغة غير التي تعلمناها أو خبرناها من قبل, إنها لغة الصمت. أثناء قراءة الكتاب و في موقف بالغ التعقيد حيث كان الطبيب يقرأ كلام البطلة إلى حبيبها أرسلت رسالة عشقية طويلة حانية تقبلتها كانت كافية لتعيش داخلي باقي عمري. لم يحن ميعاد قطاري بعد و لكن لسبب لا أعلمه تركتها مطرقة داخل أوراقها و انسحبت في هدوء من القاعة و نظري معلق بها أرسل لها إشارة وداع تاركا مقود الحب يقودني إلى قدري و قد تعلمت لغة جديدة هي أبلغ من أي كلام.
إهداء: إلى التي صنعتني كاتبا سأحبك رغم أنفك الجميل دون مقابل

الجمعة، 19 يونيو 2009

قصة الجوهرة (قصة)


كنت قد تعلمت أحد برامج الجرافيك على الكمبيوتر و الحقيقة أني عانيت الأمرين حتى تعلمته, فجأة خطر لي أن أصنع جوهرة بواسطة هذا البرنامج, قضيت شهورا و أنا أصنع شبكة الخطوط التي تتكون منها الجوهرة, أمحو و أعدل و أمحو و هكذا حتى بدى لي نسيجا متقنا لا يمكن أن يكون أفضل من ذلك و بدأت في ملأ الوجوه حتى يصبح للجوهرة شكلا و قضيت شهورا أخرى في إعداد الوجوه و زواياها و أركانها و أطرافها المدببة حتى بدت و كأنها جوهرة حقيقية و لكن علي الآن اختيار الألوان بحيث يصبح لتلك الجوهرة هذا البريق و اللمعان و كانت معاناة رهيبة قضيت فيها شهورا أخرى من العمل الدقيق الدءوب كي تخرج تلك الجوهرة إلى الحياة أو هكذا تخيلت وقتها, كنت أدقق في اختيار الألوان و درجة صقلها و بريقها و درجة سطوعها و لمعانها حتى بدت في النهاية جوهرة حقيقية , و لكن ........ و لكنها لا تتحرك , لم يحرمني البرنامج من تلك الميزة أيضا , بدأت في تحريك الجوهرة من اليمين و اليسار و من أعلى إلى أسفل بواسطة البرنامج, كان عملا متقنا إلى حد الذهول , أخذت أقلبها و أقلبها فرحا معجبا بها و وضعتها داخل مجلد أسميته (جيما) أي الجوهرة بالإنجليزية تقديرا لها فهي ليست كأي جوهرة أخرى إنها جوهرتي الخاصة بي, صنعي المتقن. أخذت أفتح مجلدي ليلا و أقلب الجوهرة معجبا بروعتها و كمالها ثم طاب لي أن أقيم سعرها , كانت مشكلة في بادئ الأمر إلا أني توصلت إلى أن البرنامج الذكي لم يحرمني من تلك الميزة أيضا و بعدة قياسات و عمليات حسابية و جدت أن سعرها خمسين مليون جنيها, هكذا ازداد ولعي بها و بدأت أفتح مجلدي و أخرجها لأستمتع بها ثم ازداد الأمر ليصبح ساعات و ساعات من مشاهدة تلك الجوهرة الرائعة. تدريجيا بدأ ينتابني شعور بخطورة ترك الجوهرة معروضة هكذا فقمت بإخفاء المجلد , أخرجه ليلا و أحدق بتلك التحفة النفيسة ساعات و ساعات ثم أعيد إخفاؤه ثم انتابني بعد ذلك شعورا بأن الجوهرة قد تسرق مني فأقوم مذعورا ليلا لأفتح الكمبيوتر و اخرج المجلد المخبأ لأطمئن أن جوهرتي بخير ثم أعود لنوم غير مطمئن و أستيقظ كأني لم أنم , أصبحت أقضي ليلي في حراسة الجوهرة و التحديق مذهولا بها و بدأت هواجسي تزداد يوما بعد يوم , ماذا لو أخبر أولادي الجيران بأمر الجوهرة ؟ سينتشر الخبر, و قد يبلغ عصابات المافيا , الذين سيأتون لأخذها, إذن سأقوم بالإمعان في إخفائها و تضليل العصابات , و لكن قد يقتحمون البيت و يعذبونني أنا و أبنائي, لن أخبرهم بمكانها مهما كلفني الأمر.
لاحظت زوجتي أن حالتي تسوء يوما بعد يوم فعرضت علي أن أرى طبيبا نفسيا فوافقت من فوري رغم أن الرؤية لم تكن واضحة بداخلي إلا أني كنت أشعر أنني لست بخير , توجهنا معا إلى ذلك الطبيب الأصلع الأبيض منتفخ الأوداج و الذي تبدو بلاهته في عينيه من خلف النظارة الأنيقة , و شرع الرجل بتشريحي بسكين ثلم و بدأت الأسئلة تنهال: هل تضرب زوجتك؟ هل تضرب الأولاد؟ هل تصاب بحالات هياج؟ هل تسمع أصواتا تحدثك؟ هل تسمع أصواتا لا تحدثك كشقشقة العصافير مثلا؟ هل تشعر انك تريد خزق عينيك؟ و تتابعت الأسئلة و كانت الإجابات بلا ما عدا شقشقة العصافير فإني أسمعها كل صباح أما بالنسبة لخزق عيني فقد أردت أن أجيبه بأني أريد خزق عينيه هو و لكني خفت أن يتهمني بالجنون, هكذا خرج الحاذق بتوصيات منها ألا أستعمل الكمبيوتر لمدة ثلاثة أشهر على الأقل و أخذ يلعن الحضارة و التكنولوجيا و العصر الحديث و كانت زوجتي تؤمن و أنا أضحك في نفسي و ناولنا وصفة دوائية طويلة , غادرنا مكتبه و أنا أقول له مع (الثلامة) يا دكتور فرد ببلاهة روتينية حمقاء. بدأنا العلاج و بدأت حالتي تسوء يوما بعد يوم , كنت أستيقظ ليلا لأندفع نحو الكمبيوتر صائحا أريد جوهرتي فتندفع زوجتي خلفي تمنعني من الكمبيوتر واضعة جسدها حائلا و سدا منيعا بيننا , أشرت على زوجتي أن أذهب إلى طبيب في القاهرة كنت قد سمعت عنه من بعض الأصدقاء , دكتور صقر, لم تكن زوجتي متحمسة لذلك فقد كانت مقتنعة بذلك الأبله تماما و بين اعتراض الزوجة و صياح الأبوين فالوالدة تفكر بأن الملعونة قد زجت بولدها في غياهب الأطباء النفسيين ربما انتقاما منها شخصيا و الوالد مرعوب من فكرة أن يكون ابنه مختلا و لكني قررت الذهاب و ليكن ما يكون. طبيب شاب لا تصدق أن ينل تلك الشهرة في ذلك السن , حاد النظرات , تلاحظ منذ الوهلة الأولى برود أعصابه لكن يخفي وراءها شيئا كثيرا أو على الأصح يتخفى وراءها , يعمل العقل بشكل مبالغ فيه كذلك ثقته بنفسه و الواضح أنها خارج حدود المعقول , يريد أن يعطيك انطباعا بثقل ظله و مع التعامل اكتشفت أنه غير ذلك إلى حد ما . بدأنا مشروع العلاج باتفاق عدم اعتداء أو بالأحرى عقد عدم اعتداء فأنا الكمبيوتر كله ملكي أشاهد جوهرتي كيفما أشاء و له عندي ألا يعطلني ذلك عن أنشطة حياتي الأخرى و سلمني وصفة طبية رخيصة الثمن. كانت زوجتي تنظر إليه متشككة في أمره و كنت أنا أكثر قناعة به من مرشحها الأول. بدأت حياتي تأخذ خطين متوازيين بين جوهرتي و أنشطتي الحياتية الأخرى , نجح اتفاق عدم الاعتداء إذن , زاد نومي وقل هلعي على جوهرتي , في أحد الأيام أفتح مجلدي المخبأ بعناية لأجد الجوهرة و قد اختفت و ظهرت رسالة صماء تقول (خطأ فادح لا يمكن استرجاع الملف) و هنا صرخت هلعا : جوهرتي.... أين جوهرتي؟ من أخذها مني؟ خف الصبيان لنجدتي و وراءهما فتاتي الصغيرة التي لم تتجاوز الخامسة , ماذا حدث يا (بابا)؟ يقول الصبيان بقلق واضح و أرد بخوف أكبر من قلقهما : لا أجد جوهرتي, قالا : سنسترجع الملف يا (بابا) , قلت بحنق: أي ملف أجننتم؟ أنا أتحدث عن الجوهرة, و ترد ابنتي محاولة طمأنتي سنجدها إن شاء الله يا (بابا) ..... سنجدها, جلس الصبيان على الجهاز بهمة و أخذا يتفاهمان,قال أحدهما : هناك برنامج الاسترجاع سنشتغل به و يومئ الآخر برأسه مؤيدا و أنا أقف خلفهما بجانب فتاتي أتابع سير العملية, يقول أحدهما لأخيه الآن سينشئ البرنامج ملفا افتراضيا في محاولة استرجاع الملف الأصلي , فأصرخ أنا : افتراضي ! ... افتراضي .. ولكني أريده حقيقيا فيرد علي ابني الأكبر و ما زالت عينه على الجهاز كله افتراضي يا (بابا) .... عالم الكمبيوتر كله افتراضي و هنا تظهر رسالة البرنامج ( لا يمكن استرجاع الملف من خطأ فادح), نظر لي الولدان نظرة حزن و أسف و كأنهما المسئولان عن ضياع الجوهرة ...... أقصد ملف الجوهرة, طلبت منهما بحزم الكف عن محاولة أخرى و التوجه إلى دراستهم و جلست وحيدا أمام الرسالة و رذاذ يتطاير من عيني.... كله افتراضي إذن و بينما كنت كذلك رأيتها على الشاشة تأتيني براقة متلألئة كما كانت, كنت في شدة الفرح بينما كانت دموعي تبلل خدي ,قلت لها: لقد فقدتك قالت: لا يجوز قلت:لم أجدك في مكانك. قالت: من قال لك أني كنت يوما هناك و أظنها ابتسمت لي و غمزت, قلت و قد دوختني الحيرة: ما معنى هذا لقد كنت هناك أنا واثق من ذلك, قالت: لأنك أردت أن تراني هناك, قلت : إذن أين أنت حقا بحق الله, قالت: كنت دائما بداخلك, حينها رأيتها تتفكك إلى أوجه لامعة و شبكات ثم خطوط و رأيتها تدخل إلى داخلي و تسري في كل جزء من جسدي, ابتسمت ابتسامة رضا و استسلمت ليلتها لنوم عميق, مرت سنون بعد ذلك و حالتي تتحسن يوما بعد يوم و عدت طبيعيا أو شبه طبيعي و كلما تذكرت أزمة الجوهرة ينتابني ذلك الحزن العميق النبيل.

إهداء: إلى أخي و صديقي دكتور أحمد عثمان

الاثنين، 15 يونيو 2009

أميرتي (قصيدة)

أميرتي
عيناك صارا واحتي
وشعرك الذهبي صار حديقتي
و أمسيت كعصفور زينة بالبيت
على قدميك كيف ماتت حيرتي
على شفتيك كيف لقيت بسمتي
و سرعان ما رسمتك مرات في مخيلتي
و سرعان ما حدثتك على حيطان غرفتي
و كثيرا ما لثمتك على أطراف حاشيتي
و خيلتني شاعرا أمتدح مليكتي
و خيلتني فارسا أختطف أميرتي
أهذا حبي أم جنوني و نزوتي
إن كان حب أنت .. أنت حبيبتي

ماذا في الطلاق؟ (قصة)

كأني أتيت بمعجزة حين طلبت الطلاق,انهالت مجالس التحقيق على هيئة مجالس الإصلاح, يريدون معرفة أدق التفاصيل, لا بأس, و ماذا في ذلك؟, في نهاية كل جلسة يصاب الحاضرون بالدهشة, لم يسألني أحدهم عن إحساسي أنا, الرجل يعمل عملا إضافيا كي يوفر متطلبات الحياة, و ماذا في ذلك الكل يفعل هذا, لم يعاملني بخشونة أو فظاظة, و هل يجرؤ؟ يقوم بواجباته الزوجية و لكني أشعر أنه يأخذ مني و لا يعطيني, أحلم برجل يضيعني في أحضانه و هو لا يفعل, أريد شيئا ما لا أعلمه و لكنه ليس عنده, مستقيم و ملتزم , أعلم هذا منذ البداية و إلا لم تزوجته, أريد رجلا أثرثر بجانبه فلا يشتكي صداع رأسه, أريد رجلا يعاملني كملكة متوجة أكون مليكته و معبودته أما هو فواقعي جدا, بارد جدا, منهك دائما, تشغله الميزانية أكثر مما أشغله أنا, حياته دائرة مغلقة و أدور أنا معه و أنا أرفض دائرته تلك. أخيرا حررت نفسي منه , كنت سعيدة جدا باستعادة حياتي القديمة في منزل أهلي, صحيح أرى في عيني أبوي ما أرى من خليط من اللوم و الشفقة و لكني أتجاهل ذلك, حتما سيعتادون الوضع الجديد, الصديقات بين مؤيد و معارض و الفريقان له أسبابه و مبرراته حتى أحسست أني في مباراة و الكل يشجع بطريقته, ما عدا جيهان و التي كانت تسمعني كثيرا و لا تعلق إلا بالقليل.
- جيهان لم ترفضين طلاقي؟
- اسمعي يا هند, ليس طلاقك فقط ما أرفضه.
- ماذا في الطلاق؟
- لا شئ في الطلاق كمبدأ افتراق, كقرار و لكن المشكلة كيف نتخذه و هل نحن مؤهلون لذلك؟ و هل نحن عادلون ساعة اتخاذه؟
- المفروض أن تفهميني فأنت امرأة مثلي.
- أنا أفهمك جيدا و أريدك أن تنظري داخل نفسك كي تفهميها.
- ماذا تريدين أن تقولي .....؟
- هند أنت ممتلئة إلى آخرك بعالم من الأفلام و الروايات لا علاقة له بواقعنا, أنت تحتاجين التوغل أكثر في عالم النساء كي تعرفي كيف تدار مؤسسة الزواج و تستمر لصالحك و صالحه و صالح أطفال سيأتون.
- جيهان أنت تنكرين علي أنوثتي.
- أنكر عليك طفولتك عندما تتخذ القرارات بدلا منك طول الوقت.
- و ماذا في يدل على الطفولة؟
- أنك لا ترينه طول الوقت, و ما يدريك ما ينقصه هو؟أجبتها بحدة : و ما الذي ينقصه؟ يجب أن يحمد الله أني رضيت به يوما.
- أرأيت؟ و من أين أتيت بتلك الثقة المرعبة؟ بلبلني السؤال و أجبتها بنبرة أكثر حدة: هكذا من داخلي.
- و لماذا لا يكون ما تشعرين به هو بديل عن تحمل المسئولية في مرحلة انتقالية من أشد المراحل حرجا , الانتقال من بيت أبيك إلى بيتك و بيته ..... بيتكما.كنت أريد موافقتها كالأخريات بل أن موافقتها كانت تهمني أكثر من أي واحدة منهن, حاولت الابتعاد عنها فهي الوحيدة التي كانت تدرك شيئا ما لا أعلمه و كأنها تخترق أعماقي أما الباقيات فقد كان الحديث أسهل معهن بكثير. بعد ذلك رأيتها في أحلامي تحاول خنقي و أنا أركض هربا منها, كان قلبي يدق بشدة و أنفاسي تتسارع فأقوم من نومي مذعورة لأتحسس رقبتي . ابتعدت عنها و العجيب أنها لم تصر على قربها مني كما يفعل فريق المشجعات.حاولت أن أشغل نفسي أغلب الوقت و لا أعود للمنزل حتى موعد النوم, كنت أريد أن أنسى الأمر كله, صورة أمي تأتيني في منامي غاضبة, أعلم أنها غاضبة فعلا و لكنها لا تحدثني في ذلك, أما أبي فالواضح أنه يتحمل تصرفاتي على مضض. أصبحت مرحة كما كنت قبل الزواج و ربما أكثر و لكن علي فقط ألا أفكر كي أستمر. مضت أشهرا عديدة سعيدة بحياتي إلى أن رن جرس الهاتف و إذا به على السماعة زوجي السابق .... طليقي, لم يطل الكلام و طلب أن يقابلني آخر الأسبوع و لم أدر كيف أرد فقد كانت مفاجأة كبيرة, وضع السماعة قبل أن يسمع ردي يا لها من جرأة .. يتصل بي أمام أبي و أمي , ينظران و لا يعلقان , لم يسألاني عما قاله, ما هذا؟ ... مؤامرة ما؟ ... أم ماذا؟ .. لا بأس سأذهب لأريه قدره, إنه لا شيء و لا تأثير له علي, سأذهب و أنصحه أنه يحتاج خادمة لا زوجة, ... و لكن لماذا أذهب من أساسه؟ .. لا بأس أريد أن أرى حاله و ما آل إليه من بعدي.
تعمدت ألا أتزين أو أتأنق و وجدته ينتظرني حسب الميعاد, هو أيضا لم يتأنق, جلسنا نتحدث و قد أعددت دفاعاتي جيدا و لكنه لم يهاجم كي يثبت من المخطئ , حاولت استدراجه من طرف خفي و لكنه يبدو غير مهتم, ظننت أنه سيشكو حاله من بعدي و يرجوني العودة و لكنه لم يفعل أيضا, كنت أتربص به و لكني رويدا رويدا نسيت التربص كما نسيت الحرص و انساب حديثنا هنا و هناك و لكن ما هذا الذي أشعر به, مشاعر غريبة و لكنها لذيذة, في نهاية جلستنا اتفقنا على لقاء آخر, لم أستطع حقيقة أن أمانع, لن أخبر أبوي إذ ماذا سيقولان؟ .. أريد أن أخبر أمي و لكنني لا أجرؤ, هي سألتني عما تم في اللقاء فأجبتها: لقاء عادي و لم تطل الكلام, لماذا لم تضغط علي, ماذا يعلمون عني .
في لقائنا الثاني أحسست به منهكا, أخبرته ملاحظتي فابتسم, حاولت أن أحتد عليه لكني لم أجرؤ, أخبرني أني كبرت خلال الأشهر الماضية, قلت فرصة لافتعال أزمة و لكنه امتص غضبي و هدأت أسرع من المعهود. تعددت اللقاءات, كنت في كل مرة أشعر أن قربه يعطيني شيئا ما و إذا به يطلب مني أن نذهب لشقته – شقتي سابقا- لماذا لم أرفض؟ .. كنت أريد أن أراها من باب حب الاستطلاع ليس إلا, في الطريق كنت أفكر في شيء واحد فقط ألا و هو كم فتاة دعاها الكلب إلى بيتي - شقته- سوف أكتشف بنفسي فهو لا يجيد إخفاء شيء و لسوف أعطيه درسا لن ينساه, ما أن وصلنا حتى ثارت ثائرتي حين وجدته و قد غير بعض الأثاث من موضعه, كان يضحك و لا يرد منبها إياي أن الجيران سوف يسمعون, هدأت و جلست و كأنني أذعنت لعينيه كانت أنفاسي تتسارع و قلبي يخفق بشدة و هو يقتادني إلى غرفة نومي سابقا و ما أن أحاطني حتى استسلمت, حضرتني صورة جيهان و هل هذا وقته؟.... أحسست أنه يأخذ مني ليعطيني ثم يأخذ مني ليعطيني و كنت أضيع لأعود فأضيع لأعود , بعدها جلست على حافة الفراش باكية منتحبة و هو يهون علي في حنان أحسسته يغمر جوارحي ليطمئن وجداني, أقسمت له أنها المرة الأولى و التي أخطئ فيها هذا الخطأ البشع و أقسم لي أنه واثق من ذلك, طلبت منه أن نصلح الخطأ فسألني كيف؟
قلت: نتزوج.

ساحر الأكوان (قصة)

وجدت نفسي وسط الصحراء و لم تكن تلك الخيمة ببعيد- هكذا ظننت- و أخذت أجد في المسير بين لهيب الشمس المحرق و لهيب الأرض , دخلت دون استئذان فوجدت رجلا جالسا وسطها يرتدي قميصا و بنطال بني اللون و يضع يده اليمنى على بلورة و اليسرى يمسك بها عصا سوداء, سألته: من أنت؟ أجاب: أنا ساحر الأكوان. قلت: السحر حرام. قال: هكذا شاء ربي. قلت : أتراها في البلورة؟ قال: إنها تحبك. قلت: و هل هناك غيرها؟ . قال: أخرى ترفضك و لكنها تريدك في نفس الوقت. قلت: و أنا ماذا أفعل؟ قال: أنا ساحر الأكوان و لست ساحر الأقدار. أعطاني عصا صغيرة و بلورة صغيرة مغبشة و قال: أنت ساحر المدينة. قلت: هكذا بتلك السهولة؟ فقال: مكتوب, و لكنك ستعاهدني أن تفعل. قلت: ماذا؟ قال: أن تقرأ سورة الكهف أربع مرات في اليوم و الليلة إلى أن تلقاه. قلت: من هو؟ سكت الرجل.سألته: و من أدراك أني سأصون العهد؟ قال: مكتوب و أنت اخترت.شعرت بأن جسدي يهتز خوفا و قلت: و متى اخترت؟ قال:هيا انصرف الآن و ابدأ. قلت إلى أين؟ قال: عليك بمجمع البحرين.سألته: و هل سأقابل سيدنا الخضر عليه السلام.قال: ربما قابلته . قلت إلى رأس البر أم إلى رشيد؟ قال: إلى مدينتك.

محاربان (قصة)

على قطعة من النجيل وقف الجنديان في مواجهة بعضهما و قد ثبتا السلاح الأبيض في البنادق و وقفت أنا على أحد الجوانب و كأنني حكم النزال , نظرت إلى الأفق فعلمت أننا معلقون في مكان ما بين السماء و الأرض و سمعت صوتا يقول أنتم هنا حيث لا موت , قلت في نفسي و لا حياة أيضا , سدد أحد الجنديين للآخر طعنة نجلاء دامية انثنى على أثرها فظننته سيسقط إلا أنه ما لبث أن اعتدل ليوجه لغريمه طعنة نجلاء دامية انثنى على أثرها ثم ما لبث أن اعتدل ليوجه للآخر طعنة أخرى فعلمت أننا سنستمر هكذا إلى ما لا نهاية.

بعد حمد الله أشكركم (قصة)


استيقظت من نومي فجرا و توجهت لغرفة المعيشة فوجدت مجموعة من الرجال و قد اختفى كل من جهاز الستريو و التلفاز و الكمبيوتر
سألتهم : كيف دخلتم هنا؟
أجابوني بأن الشقة ضمن قائمة ممتلكاتهم
قلت: هذا غير قانوني.
أجابوني بأنهم يعرفون عملهم جيدا و أنهم تركوا لي مذياعا صغيرا عوضا عما أخذوه.
قلت: أتأخذون كل الأجهزة مقابل هذا المذياع الحقير
أجابني أحدهم: إن كنت لا تريده سنأخذه أيضا
و أضاف الثاني: اسمع يا دكتور , لقد عاملناك بمنتهى الرقة حتى الآن فلم ندخل غرفة نومك و لم نعصب عينيك و نضربك أمام زوجتك و أولادك و لم نأخذك ضيفا عندنا
عدت لنفسي فحمدت الله و شكرتهم و سألتهم إن كانوا يريدون شيئا آخر فشكروني بأدب جم , أردت أن أستبقيهم لأقدم لهم التحية فاعتذروا بأن أمامهم عمل كثير في المنطقة.
إهداء : إلى صديقي الفنان التشكيلي دكتور رائف وصفي

أحلام السيد (قصة)


السيد طفل من قرية صغيرة تقبع وسط المساحات الخضراء,بعيدا بعيدا عن المدينة لذا فإنها لم تتشوه بعد , لم تنالها لمسات المدينة و التي تحول القرية إلى مسخ. السيد الآن في عامه الثالث عشر يقرأ كثيرا كثيرا و يحلم أكثر. السيد الآن يفكر , كان السيد يسير مشواره اليومي على السكة الترابية بجوار الترعة الكبيرة يفكر إلى أن يتخطى الكوبري ليجد شجرة التوت في انتظاره كما انتظرته كل يوم بعد أن أنهكه التفكير , عندما يجلس تحتها يغمض عينيه ليطلق لأحلامه العنان , أبواه أميين لا يملكان من حطام الدنيا إلا القليل , هؤلاء ليسوا أهله الحقيقيين لقد وجداه عندما كان طفلا رضيعا و ربياه و معه أوراق تثبت أنه ابن البك صاحب الفيلا التي تقبع في أطراف القرية و نادرا ما تفتح , لابد أن يأتي أبوه يوما ليسترده و يأخذه معه إلى المدينة و لكنه سيرفض مغادرة القرية التي تربى فيها , سيطلب من أبيه البك أن يقيم بالفيلا و سينتظر قدومه من المدينة ليقيم معه يوما أو يومين ثم يعود كعادته, سيطلب منه بقرة ليضعها في الحظيرة الخاوية فلطالما حلم هو والرجل الذي رباه ببقرة تجلب لهم الخير و يبيعون ما زاد من منتجاتها لتريحهم من شظف العيش , سيستأذن أبيه البك أن يقيم معه في الفيلا الرجل و المرأة اللذان ربياه فإذا حضر هو سيقيمان بالغرفة الملحقة بالحديقة إلى أن يغادر , سيأكلون اللحم و الطيور يوميا فلقد احترقت أمعاءهم من أكل الفول و الطعمية و أصبح السيد يتحاشى عيني الرجل الذي رباه في المواسم و الأعياد و التي قد تمر دون أن يأكلوا اللحم , سيطلب من أبيه البك أن يحضر له مدرسين من المدينة و خاصة في اللغة الإنجليزية فإنه يشعر أن ما يتعلمه شبيه اللغة و ليس لغة , سيأكلون في أطباق من الصيني لابد أنها موجودة داخل الفيلا , هو لم يراها أبدا و لا يعرف سوى الطبق الصاج أو البلاستيك , سيطلب من أبيه البك ملابس جديدة و جلبابا من الصوف أزرق أو رصاصي بأقلام و ..................... و يمر الأطفال الأصغر منشدين (يا طالع الشجرة , هات لي معاك بقرة , أحلبها و تسقيني , بالمعلقة الصيني , يا مين يربيني) يفتح السيد عينيه لينظر أعلى الشجرة و يبتسم.

إنتحار أبو مصطفى (قصة)

عصرا صعد أبو مصطفى سطح البيت القديم و في يده المنشة من ليف النخيل أحمر اللون و وراءه ابنه عبده يحمل الطاولة الخشبية العتيقة على رأسه و التي يبدو عليها بوضوح أثر السنين التي قضتها في التنقل بين منزله في الدور الأخير و بين السطح .
كريمة الصغيرة التي لا تتجاوز الثمانية سنوات تحمل لأبيها الكرسي و تسير في آخر الموكب لا تكاد تفهم معنى هذا الموكب اليومي الصاعد عصرا و الهابط ليلا و لكن قدر علمها أن أبيها يعمل طوال هذه الفترة على السطح , حقيقة لا تفهم تحديدا ماذا يفعل و لكنها كانت تتلصص عليه من آن لآخر فتراه منهمكا في قراءة كتاب أو كتابة أوراق إذ كان يرفض بشدة تواجد أحد أفراد الأسرة أثناء عمله , و لكن ... و لكنها لم تره يوما يحضر مالا من ذلك العمل و يقول هذا المال كسبته من عملي كما يفعل جارهم أبو محمد السباك يأتي آخر النهار برزمة من المال يخرجها من جيبه بكل ثقة و اعتزاز يصل إلى حد الخيلاء قائلا خذي يا أم محمد حصيلة اليوم , لم تفهم كريمة أبدا لماذا لا يفعل أباها فعل أبو محمد , مع أنها تراه يكد في عمله بشكل ..... بشكل لا تفهمه , كانت تراه يأخذ السطح ذهابا و إيابا بخطوات هستيرية محمومة , يحدث نفسه رافعا يديه و كتفيه و هازا رأسه يمينا و يسارا ثم يومئ برأسه كأنه قد وصل للحل الامثل ثم يجلس ليكتب فيمزق ما كتب ليعيد الكرة , كانت تتصوره أحيانا رجلا مهما كمن تراهم بتلفاز الجيران و لكن .... أباها يجلس على طاولة مكسرة مرتديا جلبابا يكاد يكون مخرقا باليا و طاقية من نفس لون الجلباب بأقلامه الخضراء العريضة أما من تراهم في التلفاز يجلسون على مكاتب أنيقة و كذلك ثيابهم , كانت تذهب إلى أخيها عبده و تسأله عما يفعله أباها فوق السطح فيخبرها بأنه يؤلف قصصا فتسأله و لماذا لا تجدها بين الكتب التي في المكتبة الضخمة ؟ فيجيبها بأنه لا يعلم , تذهب إلى أخيها مصطفى الجالس مسترخيا على المقعد الممزق يقرأ كتابا فيبتسم بحسرة و قد اصفر وجهه و يقول لها اذهبي العبي الآن , فتخاف أن تسأل أكثر و تنصرف إلى اللعب.
في هذه الأثناء كانت أم مصطفى تعد الشاي بهمة و حماس كعادتها فأبو مصطفى لابد أن يتناول الشاي ساعة العصر مع بداية الكتابة و تسرح بخيالها عشرين سنة للوراء حينما تزوجته , كان يبدو طيبا مختلفا عن الآخرين و كان يتكلم بكلام كبير و غير مفهوم , كانت ابنة الثامنة عشر , كان موظفا صغيرا و لكنها توقعت بعقلها الصغير أن يكون له شأن ما فإنه يتكلم بطريقة لا تراها إلا في السينما , لابد أنه سيكون له شأن كبير يوما ما ..... و انتظرت طويلا و لم يحدث شيئا , جاء الأولاد و زادت الأعباء و دخله ما زال صغيرا و حينها فقط سألته عن تلك الأوراق التي يكتبها و يكدسها داخل الدولاب فأخبرها أنه يؤلف , سألته عن بيع إنتاجه و هي تفرك قلبها المهموم ممنية نفسها بالمال الذي سيجنيه , أخبرها أنه ليس بعد ..... لم تأت الفرصة بعد .
و انتظرت ثم عرفت أن الفرصة لن تأت أبدا.
حاولت أن تشجعه أن يجد عملا إضافيا فرفض بشدة و اعتبرها عدوة له و للإنسانية فكيف تحرمه من إبداع سيفيد البشرية في يوم ما.
و في صفقة غير واضحة المعالم و بذكاء أنثوي كفت عن الكلام , فالكتب القديمة و التي يشتريها بقليل من الجنيهات و كم كوبا من الشاي أرخص من جلسته في المقهى يوميا بلا عمل , كما أن انشغاله عنها يجعله لا يتدخل في شئون البيت , كما أنه يترك أولادها في حالهم و لا يحدثهم بكلام كبير قد يربك عقولهم الصغيرة , أفاقت من غفوتها على الماء يغلي لتعد الشاي و تنادي على أحد الأولاد بصوت يملؤه التفاؤل ليصعد لأبيهم بكوب الشاي و يخف عبده كعادته لتناول الصينية.
عبده أيضا بدأ في القراءة و هو لا يفهم الكثير و لكنه يجتهد و يسأل مصطفى فلا يجيبه و لكنه يحاول أن يفهم و ينظر إلى مصطفى على أنه مثله الأعلى و يحاول أن يحاكيه حتى في جلسته.
جلست الأم مع أولادها الثلاثة لتتحدث و تشيع الجو بهجة كعادتها , لقد قررت منذ زمن بعيد أن تضفي البهجة المصطنعة على هذا المنزل فلا ذنب للأولاد أن يحملوا ما ليسوا مسئولين عنه.
جلست كريمة تستزيد من الأسئلة عن الأستاذ نصحي السعيد الذي يرتدي والدها لمقابلته أنظف ثيابه و يضع كولونيا الليمون فهي لا تراه يضعها إلا يوم الاثنين من كل أسبوع .
فتخبرها أمها أنه كاتب كبير و أنه صديق والدها منذ أكثر من عشرين عاما و يدعوه لحضور الندوة الأسبوعية التي تقام بمنزله و أنه زار والدها هنا مرة أو مرتين ليطالع مكتبته و هنا ينظر مصطفى إلى أمه بابتسامة ساخرة أربكتها, فقد كان يعلم أن الدعوة عامة و أن أبيه يلصق نفسه إلصاقا بالندوة, تتجاهل تلك النظرة المسمومة و تحول نظرها إلى الفتاة و تسترسل في ذكر مناقب أبيها و ثقافته و سعة علمه.
كانت كريمة تسمع مشدوهة بأهمية أبيها و لكن عينيها كانتا زائغتين كأنما كان عقلها ينكر ما يسمع.
و انصرف مصطفى تماما لقراءة ما في يده بينما كان عبده يرفع عينيه عن كتابه بين الحين و الآخر ليتابع ما استجد من حديث إذ أن هذا المنوال قد تكرر كثيرا أمامه منذ كان في عمر كريمة و مازال يذكر أن أبيه كان يأتي الاثنين ليلا فلا يمل من الكلام عن الندوة طوال الليل و حتى يغلبهم النعاس و قد لاحظ أيضا أن الأستاذ نصحي لا يوجه الكثير من الكلام لوالده.
مازال أبو مصطفى يكتب و يكتب إلى أن فاجأته أوزة بأن تبرزت على قدمه , فوجئ الرجل و انتفض ليركض وراءها صائحا تعالي يا ابنة الكلب , و لكنها طارت بعيدا عن متناول يده.
نظر أبو مصطفى لقدمه و قد لوثتها فضلات الأوزة و رأى نعله البلاستيكي في قدمه و قد اكتوى بالنار إذ أن أم مصطفى كانت تصله بقطعة من البلاستيك كلما انقطع و امتد نظره إلى السطح فرأى فضلات الدجاج هنا و هناك ثم تلك الحظائر التى تبنيها أم مصطفى بيديها و بمساعدة أولادها إذ لابد من أن يأكلوا لحما و كانت تلك هي الطريقة الوحيدة كي يحصلوا عليه بينما كانت أم مصطفى تجمع ما يصلح لإطعام الدواجن من القمامة خلسة لضيق ذات اليد .
نظر أبو مصطفى للكرسي و الطاولة ثم إلى جلبابه و نزل الدرج , دخل المنزل و كأنما يدخله لأول مرة , نظر إلى الأثاث المتهالك و الحوائط و قد أكلتها الرطوبة , دخل الحمام شبه المنتهي ليغسل قدمه , خرج و قد كان بادي الذهول مما أزعج أم مصطفى كثيرا فسألته:
- ما لك يا أبو مصطفى كفى الله الشر.
أجابها : لا شئ.
نظر إلى مصطفى و سأله : أنت طالب في الكلية؟
رد مصطفى بنظرة خاوية من المشاعر و برود لا يخلو من الاستهزاء ثم عاد إلى كتابه .
ثم نظر إلى عبده و سأل : أنت طالب في الإعدادي ؟
فأجابه عبده بدهشة : نعم
ثم إلى كريمة : و أنت طالبة بالابتدائي؟
انزعجت الطفلة و لم ترد
ثم أحد النظر لأم مصطفى و قال : و أنت تحولين القمامة إلى دجاج .
فردت : أنت تعبان يا خويا ؟
قال: لا .... لا ... لا يمكن ..... أنا بخير الآن .
صعد أبو مصطفى الدرج و كل ما امتلك رأسه قصة انتحار هيمنجواي يوم انتحر و كان يصرخ لا نهاية للبؤس , حاول أن يعتلي سور السطح العريض فلم يفلح , أحضر الكرسي كي يعتلي بمساعدته السور , وقف على السور ينظر في الأرض و كأنما يحدق في البحر , تجمع الناس يشيحون بأيديهم و يصيحون ارجع يا أبو مصطفى فيصرخ : (لا نهاية للبؤس) , يتزايد الناس و يتزايد الصياح ارجع يا أبو مصطفى الله يهديك فيصرخ : (لا نهاية للبؤس) و يصيح أحد الأفراد من أسفل : لا نسمعك , ماذا تقول؟ و يشير الناس بأيديهم كي يرجع.
يبدو أن أبا مصطفى تعب من الوقوف و أثناء محاولته الجلوس على السور فقد اتزانه و سقط أثناء ارتقاء بعض الجيران الدرج محاولين إنقاذه .
هلعت الأسرة من اندفاع الناس و خرجوا يستطلعون الأمر فعلموا بالكارثة بين صراخ الصغيرة و وجوم الكبار.
وصل خبر وفاة أبو مصطفى الكاتب نصحي فرجعت الذاكرة إلى الوراء أكثر من عشرين عاما حينما بدأ أبو مصطفى في حضور الندوة محاولا أن يكون تلميذا نجيبا له و من الوهلة الأولى اكتشف نصحي أن تلميذه بلا موهبة حقيقية و رغم أنه لم يفوت الندوة مرة واحدة طوال العشرين عاما .
بينما كان نصحي معجبا بمداومته و صبره و مثابرته حاول أن يفهمه الحقيقة بل كان دائما يحدثه بأن الموهبة هي كامن طبيعي داخل الكائن و لا تكتسب و أن من لا يجد موهبته في الأدب لابد و أن يجدها في شئ آخر و لكن أبو مصطفى و كما تعود منه دائما لم يستوعب , حاول الأستاذ نصحي أن يفهمه أن العقول البشرية لا تستوعب المواد أكانت ثقافية أم علمية بنفس الدرجة من العمق و الرؤية و أن هذا حال الكثيرين و لكن أبو مصطفى هو أبو مصطفى , يشعل نصحي سيجارته و يتذكر كيف حاول مساعدته بتوفير عملا إضافيا له حينها رد أبو مصطفى بفزع : و إبداعاتي يا أستاذ كيف أوفق بينها وبين العمل الإضافي؟.
نظر نصحي إلى سيجارته مبتسما يتذكر كيف كان أبو مصطفى يمد يده بحبور و امتنان ليتلقى سيجارة الأستاذ فهو لم ينس و لو للحظة أنه موظف بسيط.
هنا قفزت في ذهن نصحي فكرة كي يساعد أبناء المتوفى بمبلغ من المال .
سيتظاهر بشراء مكتبته لقاء مبلغ كبير من المال يعينهم عل إكمال مشوار الحياة.
توجه نصحي إلى المنزل القديم و استقبلته الأسرة بالحزن المعتاد , وجه نصحي حديثه إلى مصطفى (كان والدك مثقفا و كاتبا كبيرا)
رد ساخرا: أحقا كان؟
كان الرد محرجا لنصحي فحاول أن يغير الموضوع : و كيف توفى الوالد؟
رد مصطفى : أراد أن يشتهر بعد وفاته ......... أراد أن يقلد ميتة آرنست هيمنجواي ... أراد أن يلصق بنفسه عليه.
نظر نصحي مندهشا , أضاف مصطفى : لقد وقف على سور السطح و أخبرنا الجيران أنه كان يقول كلاما فسروا منه كلمة البؤس , فعلمت أنه كان يقول :( لا نهاية للبؤس) مع فارق أن هيمينجواي أطلق على نفسه الرصاص في حقل القمح و هو اختصر التكاليف و فرق بسيط آخر أن هيمنجواي كاتب (العجوز و البحر) .
كانت الجلسة تزداد ثقلا و غرابة فأشار نصحي إلى المكتبة التي جاء من أجلها بادئا حديثه : و هل قرأت كتبا من هذه المكتبة ؟
أجاب مصطفى: قرأتها كلها.
أراد نصحي أن يتأكد: كلها؟
أجاب: نعم.
حاول نصحي أن يختبر الفتى : و ماذا عن إنتاج أبيك .... ؟
مصطفى: بعته لمحل بأول الشارع و قبضت ثمنه ثمان جنيهات.
تساءل نصحي مفكرا : أتبيع إنتاج أبيك بذلك المبلغ ..... و هل قرأته قبل أن تبيعه؟
مصطفى : قرأته كله ............ لم يفعل أبي شيئا يستحق.
و ابتسم نصحي و قد ترقرقت دمعة بعينيه قائلا : أتراهن على ذلك؟
نظر إليه مصطفى محدقا و لم يرد.وضع الأستاذ الظرف المالي في حجر أم مصطفى ثم انسحب سريعا و نزل الدرج شارد الذهن يفكر هل سيعود موقفه من أبي مصطفى كما كان أم أنه سيعيد التفكير في كل شئ مرة أخرى.

الأحد، 14 يونيو 2009

الندوة (قصة)


طلبت حبيبتي أن نحضر الندوة معا و رغم أنني لم أكن ميالا للحضور إلا أني وافقتها بعد أن أكدت على أهمية الحاضرين, مشينا نتمايل أحدنا على الآخر في تناغم و عشق مع نسمات الخريف المنعشة.
فجأة ظهر حولنا مجموعة من الشبان بين الرابعة عشر و الخامسة عشر تشع وجوههم جرأة و إجراما , أخرجوا السكاكين و بدءوا بالمزاح و تطور المزاح إلى تبادل الطعنات , تملكنا الخوف و أخذنا نجد السير هربا من هذا الموقف الحرج, إلا أنهم حاصرونا أمام بيت قديم, دخلنا إلى البهو الواسع لنحتمي بالسكان و لكن البيت يكاد أن يكون مهجورا و السلالم متآكلة.
أخذ الشبان يتراشقون بالسكاكين و قد ظهر على أسنة بعضها شعل من النار, أخذ بعضهم ينفث النار من فمه مشعلا النار من أسنة السكاكين كما يفعل الحواة.
أصابني سكين في رأسي و لم تسل دمائي , ربما لو سالت لخفف هذا حدة الألم, أخذوا في انتهاك حبيبتي بينما أنا جالس على الأرض لم آت بأية حركة أو كلمة أو حتى اعتراض رغم أنهم لم يوجهوا إلي سكينا واحدا و كانت هي الأخرى صامتة, تركونا على حالنا و ذهبوا.
واصلت حبيبتي السير و لم تنظر إلي أو تعاتبني ممسكة بيدي كي تشجعني على المسير بينما كنت أنا الذي ينتظر أن تتلاقى أعيننا كي أوجه لها نظرة لوم.
دخلنا معا الندوة لنجد نفس الشبان و قد تمركزوا على الكراسي بابتساماتهم الغبية و عيونهم المتلمظة يزدردون ريقهم بشبق و يمسحون الزبد من على جوانب أفواههم كي لا يظهر للحاضرين .
جلسنا أنا و حبيبتي و قد بدأ الأستاذ الكبير في تقديم الندوة, فجأة نظر أحدنا للآخر و أطلقنا ساقينا للريح وسط ذهول الجميع و ما أن أحسسنا بالأمان حتى انفجرنا ضاحكين.
و أخذت تسأل: علام تضحك؟
فأسأل: علام تضحكين؟

لست أنت (قصة)

لا أدري لم أنكر أنوثتي؟
أشعر أنني أنثى و رغم ذلك أخفيها, لا أرفضها و لكن أخفيها, أحياها سرا في داخلي مع ذاتي.
قد كنت طفلة ناعمة, و يافعة ناعمة , لكني كنت أقلد حركات الصبية و مشيتهم كي أؤكد للجميع أني لست امرأة.
أطفأت اليوم شموعي التسعة عشر بعد أن أطفأت الثلاثة عشر و لكن حين أنظر في المرآة لا أشعر بذلك.
أنظر إلى مكتبتي و أنا ممددة على سريري الصغير أطوف بعشرات بل مئات الكتب التي قرأتها في حياتي و أحاول أن أسترجع أمتعها, إنه أدهم صبري, كم كان كاملا هذا الرجل, شريفا, وطنيا مخلصا, كم أحببته, رجل المستحيل, كان يدخلني قصصه و أنا في الثالثة عشر أطوف و أجول معه نركب طائرات ,سيارات,غواصات , دبابات , نغامر و ننتصر , كم حسدت منى مساعدته على ذلك الحب العذري , المهذب , الرومانسي,كم حسدتها على ذلك الإخلاص و الوفاء و الالتزام,تمنيت أن أجد رجلا مثله في الحياة , في الواقع و لكن لم يحدث أبدا أبدا.
كم كرهتك يا سونيا جراهام على عدائك لهذا الحبيب الطاهرطهر الأبطال.
لم أغمض عيني, أنا واثقة من ذلك حين رأيته في غرفتي, لا أدري تحديدا من أين ظهر لي, من المكتبة أم خرج توا من إحدى رواياته.
لم أحتاج أن أسأله من أنت؟ فقد كنت أعرفه تماما بشعره الأبيض في جانبي رأسه و سترته السوداء و ملامحه الجادة وعينيه الحنونتين.
نظر لي مبتسما و قال: كل سنة و أنت طيبة يا بثينة.
نظرت إليه بين الانبهار و الذهول و الدهشة و لم أخف ابتسامتي هذه المرة و سألته: أتعرف اسمي؟
- نعم, و أعرف عنك الكثير و الكثير.
- من أين؟.
- ألا تعرفين عني الكثير؟.
- لقد قرأت رواياتك.
- و أنا قرأتك أنت.
- قرأتني؟ ! .
و لم يعطني فرصة , مد يده إلي ليأخذني معه.
سألته: إلى أين أيها النبيل؟
و لم أسمع إجابة بل وجدتني في عالم عجيب و غريب,المبان هي هي و لكنها مطلية حديثا و الناس منمقون , الشوارع تكاد تخلو من المارة, لم ألحظ مطاعما للفول و الكشري,المواصلات تمر على فترات متباعدة و تكادتكون فارغة , الشمس تشرق و لا تحرق و القمر إما بازغا يعطي جمالا و إما غائبا يعطي رهبة حتى الجو جميل و صافي أما السحب فتعطي خلفية و رومانسية للمنظر الرائع في هذا العالم ..... الغريب.
أخذني معه إلى منزله لأجلس مع أخيه العالم و الحاصل على جائزة نوبل, كم هو جميل ن أجالس عالما جليلا, لاحظت أن الطعام الذي أمامنا لا ينقص و كل شئ كان مرتبا , و نحن نأكل و لا نأكل, لم تقع ملعقة عرضا أو ينكسر طبقا , أو ينسكب كوبا , كل شئ تمام.
فكرت في مأساة اغتيال أبيه و نظرت إليه و قلت في نفسي كم أحبك.
بدأنا المغامرة و واجهت منى مساعدته, كم هي جميلة تلك الفتاة , عندما كانت تغير ملابسها أمامي تعجبت من كم الرصاصات التي أصيبت بها, فقد كان أبي ضابطا بالجيش و أخبرني أن الرصاصة الواحدة تقتل الرجل و غالبا ما يسقط صريعا في الحال.
كم أنت عظيم يا أدهم , نظراته مهذبة, لا يفوت صلاة واحدة لأنه مرهق أو سرقه الوقت , لم يقف بالسيارة مرة لشعوره بالعطش أو لقضاء الحاجة.
يا له من عالم نظيف يناسب واحدة مثلي.
إننا نقوم بمغامرتنا بمنتهى السلاسة و اليسر, حتى المصاعب التي نواجهها أعلم تماما أنه قادر على حلها في وقت قياسي, الرجل عنده حلول لكل شئ.
سألته: لم أر دموعك يوما يا أدهم؟.
- ذلك لأني بطل يا بثينة, و كيف تسيل دموعي؟ أكنت تحبينني إن سالت دموعي؟.
- ربما لا.
أصغيت إلى نفسي و أدركت أني أحببت فيه الكمال.
- هيا يا بثينة.
- إلى أين أيها النبيل؟.
لقد اختنقت هنا, فأنا لم أتجشأ يوما, و لم أصب بالشرقة , لم أدخل حماما و لم يغص الكلام في حلقي و لم ترتعد فرائصي أمام امرأة و لم آت بحركة حمقاء و لم أتكلم كلمة غير موزونة منذ عشرون سنة.
- و لكن هنا أفضل, هنا كل شئ جميل.
- جميل و ليس حقيقيا.
- و ما قيمة الحقيقة, لا تدعنا نذهب أرجوك.
- الحقيقة هي الحقيقة يا بثينة, حتى لو عشنا هنا ألف سنة, لن تغن عن الحقيقة شيئا.
ركضنا معا لنخرج و تبعتنا منى و لكنها احتجزت في الداخل.
سألته: لماذا لم تستطع منى العبور؟
- لأنها لم تجد رجلا يحبها .
- و لكنك كنت تحبها.
- عندما أحببتها كنت غير حقيقي, كانت تحتاج رجلا حقيقيا يحبها.
- إذا حبي لك ما جعلك حقيقة؟.
- نعم , حبك أنقذني من أن أظل حبيسا في رواية.
- تريد أن تقول أن حبي لك هو الذي حولك رجلا حقيقيا؟.
- حبك لي ولدني من جديد فأصبحت موجودا هنا , الآن.
وجدت نفسي أمام مبنى كبير في شارع أسفلتي, أحسست بالبرودة فقد كان الجو باردا, خلع سترته و وضعها على كتفي, نظرت إليه نظرة امتنان و نظر إلي نظرة حب لا تخلو من الرغبة و رأيت حبات العرق على جبينه , استأذن مني لحظات , سألته: إلى أين؟
- قال إلى الحمام.
عندما عاد كان العرق أغزر على جبينه مما تركني و كان وجهه يتلون بين الأحمر و الأصفر و تعبيرات وجهه تتقلص و تنفرد.
و قال: أتتزوجينني يا بثينة؟.
و أجبت و أنا مليئة بالخوف: دعني أفكر.
تزوجنا و لم يكن الأمر سهلا و لكن شعرت بدفئ لم أشعر به في الروايات , كان يتذمر فأذكره أني أنا التي ولدته فيعود مهذبا طيعا.
كان زوجا مصريا و لكن عصريا بعض الشئ , يساعدني في أعمال المنزل و يدخل معي المطبخ -أحيانا- و كنت أسأله لماذا لا يجعلني أتحجب فيخبرني أن الطريق إلى الله طويلة و نحن نمشيها خطوة خطوة.
عندما كان يرى رواياته في المكتبة كان يشرد قليلا فأذكره أنه هو الذي اختار عالمي بدلا من عالمه, فيميل علي يناجيني
قائلا: بذمتك أليس هاهنا أجمل.

المثلث (قصة)


رسمت بإصبعها مثلثا على المنضدة, أمسكت كوب الماء و أسقطت نقطة في وسطه و أخذت تحدق فيها سعيدة باستقرارها, أخذت تسكب باقي الكوب, بدأ الماء يسيل , خرج خارج الحدود التي رسمتها, نظرت, دهشت , ارتعبت, إنها الزلزلة , وقعت الواقعة , سيصبح الماء موجة عاتية تهدم كل شئ , ستحطم , ستدمر, سيغرقني الماء, نسيت أن الماء يحركه الهواء و أن الموجة العاتية تحتاج عاصفة عاتية, نسيت أن الماء لابد و أن ينساب و أن هذا التوتر يحميه من أن يصبح ركدا آسنا عفنا , جرت في هلع و الحمد لله أنها لم تقلب المنضدة أيضا, عادت , وجدت الماء و قد غادر مثلثها الصغير و لكنه مازال مستقرا على المضدة و لم يغادرها.
أشكر كل من كان له دور في كتابة هذا النص

الجمعة، 12 يونيو 2009

حرب الورق (قصة)

هكذا إذا ....... وصلت الفتاة الجميلة صفها الأول الثانوي في المدرسة الخاصة في تلك المدينة الصغيرة.
هاهي ترتدي زيها الأنيق و التي حرصت أن يكون منمقا جدا و تحتضن حقيبتها الأنيقة أيضا كما اعتادت أن تفعل.
تنزل إلى الشارع و لكن حتما الاتجاه سيتغير , إنها تحب الخضرة ويجذبها هذا الشارع الهادئ كثير الخضرة و الأبنية الأنيقة في آن واحد و هي عاشقة الأناقة, كانت أنيقة منذ نعومة أظافرها , كانت أمها تحرص على ذلك بل و المبالغة فيه , و قد وصلتها الرسالة بحذافيرها و نضجت داخلها كلما ازدادت عمرا,أدركت أهمية المظاهر في مجتمع لا يعرف غيرها.
أدركت أمها كما أدركت هي بحكمة شديدة كنه مجتمعهما و مدى تسطيحه للأمور و كم من السذج في هذا المجتمع و الذي أصبح خليطا مشوها من أهل القرى النازحون و أهل المدينة الأصليون و الممزقون بين عادات ريفية توارثوها و المدنية التي تزحف برتابة فيحتدم الصراع أكثر فأكثر بين حضارتين و بينهما كثيرون فقدوا هويتهم لا يستطيعون تحديدها , مدعون أكثر من أن تكون لديهم عقيدة.
هكذا إذا ...تخطو الفتاة أولى خطواتها بين البيت و المدرسة و بين الطفولة و الأنوثة, تسير مدعية الثقة و هي غير ذلك تماما لقد كانت خائفة من يومها الأول في المدرسة الثانوية و من ذلك المجتمع الجديد , كانت خائفة من نفسها , كانت خائفة من كل شئ.
كان المنزل أكثر أمانا من خارجه فقد زرعت أمها داخلها أنها ستضيع خارج المنزل و ان هناك من الأخطار ما لا تطيقه .
ربما كان هذا هو السبب أنها كانت تقضي المشاوير جريا, إذ كانت دائما في عجلة ان تعود إلى المنزل حيث الأمان النسبي الذي كانت هي تعتبره جنتها.
هكذا إذا .. تخطو أولى خطواتها و تمسك ساقيها من الجري بصعوبة إذ كانت في حالة هروب مستمر.
تنظر بعينيها إلى الأعلى فترى ذلك الشاب في شرفة الدور الثالث يحتسي الشاي, تعلقت عيناها به كما كان نفس الشئ منه , لم تلحظه جيدا و لكن أحست أن النشوة تغمرها و شعرت أن كل شئ بجسدها ساخنا , حتى الهواء الذي تتنفسه.
انتهى اليوم الدراسي سريعا , عادت من نفس الطريق على أمل لم يتحقق فقررت أن يكون ذلك طريقها يوميا إلى المدرسة.
في اليوم التالي كانت تتقافز على السلم مسرعة و قد قررت أن تتلكأ في مشيتها حتى تدرس ملامح وجهه فقد تعلمت أن تدرس كل شيئ جيدا.
هكذا إذا .. شاب أسمر داكن السمرة ذو شعر خشن, متوسط القامة, نحيف و رياضي ويبدو من نظراته أنه مهذب فهو لا يحد النظر إلى جسدها بقدر ما كان يركز في وجهها و عينيها ,و لأول مرة تعرف الحمرة ليست حمرة الخجل و لكن من احاسيس تنفجر بها لأول مرة. أصبح موعدا يوميا و لقاء مأمونا , كانت تخلو إلى نفسها كما كانت تفعل دائما أما الآن فقد دخل الفارس أحلامها , كانت تحلم باليوم الذي سيحاول أن يكلمها و طبعا لن ترد عليه و إلا اتهمها بالانحراف و لكن ...... قد يتركها للأبد .... و قد يأتي يوما لخطبتها , لقد قررت ألا تكلم إلا من يأتي لخطبتها.
لقد كانت تنظر في مرآتها كثيرا كثيرا أما الآن فتتخفف من ملابسها لتتحسس أجزاء جسدها بيد مترددة و أحيانا مرتعشة , تنظر إلى نفسها بحب و قد ازدادت ولها بها.
لم تحب سوى امها و نفسها , كانت تعتقد أن امها تستحق حياة أفضل و كذلك هي رغم رغد العيش الاتي كانتا تعيشانه إلا انه لم يكن مرضيا لكلتيهما.
مضت الأيام و تزداد ولها بفارسها الذي لا تعرف عنه شيئا حتى بدأ يزورها في نومها , يحدثها و يداعبها و يبادلها العشق و الغرام .
كانت سعيدة بحياتها الجديدة و بفارسها إلى أن ظهرت تلك الطالبة الساقطة ابنة التاجر الكبير و التي استفزها جمالها و أناقتها فأخذت تبحث وراءها إلى أن فجرت في وجهها القنبلة عن أصلها و فصلها و حالها و أقاربها أمام لفيف من الزميلات, لم تقابل الهجوم بالدموع أو العويل بل بالصمت, الصمت المطبق و عينان جامدتان كالحجر الأصم و هدوء قاتل أو أشد قتلا من القتل نفسه.
ذهبت إلى المنزل و لم تخبر أحدا سوى أمها التي ربتت عليها بحنان و أمرتها بالتكتم. كانت ليلة غير عادية, لم يكن هناك مجال للحزن و لكن كان شئ يغلي بداخلها , كان رأسها يتكسر , كان كل شئ يتصلب بداخلها , أحست أن جسدها يتحول إلى كتلة من الرخام على فراش لا تشعر به تحتها , كانت عيناها مفتوحتان طوال الليل و لكنها لم تكن تفكر أو تنام.
في الصباح تناولت إفطارها و ذهبت إلى مدرستها كأن شيئا لم يحدث و لكنها كانت أكثر هدوءا من المعتاد, تعمدت تغيير طريقها إذ كانت لا تريد مواجهة عينيه , في المدرسة كانت ترد بكلمات مقتضبة و جاءت بعض الطالبات لمواساتها فأظهرت أن الأمر لم يؤثر بها بتاتا و أن (كل واحد يعرف نفسه) و هي عبارة مطاطة فيها لفت نظر أن هذا التاجر لم يبدأ كبيرا أيضا بل عانى الأمرين في بداية حياته.
مرت الأيام و الفتاة قد تغير طريقها المعتاد و لكن فارسها عاود يطل عليها في أحلامها و هي لا تريد أن تعود إلى خط سيرها الأول إلى أن رأته صباحا يسير أمامها في طريقها الجديد فعلمت انها قد أوحشته و كانت تلك دعوة لعودتها إلى طريقها القديم.
الآن كل شئ يحدث بداخلها , تفكيرها بداخلها, تعليقاتها على الحوار بداخلها, تنظر, تتابع ,لا تشارك , عقلها يعمل بنشاط غير عادي, ذاكرتها أصبحت حديدية و لكنها لا تشارك, استغربت الزميلات من أسلوبها فكانت تبرر ذلك بأن المواضيع لا تعنيها بالدرجة , كانت ابنة التاجر تنظر إليها بغل تريد أن تستدرجها إلى معركة كلامية و لكنها كانت تتحاشى النظر إليها بتعال مبهر يزيد نار الأولى اشتعالا .
هكذا إذا... أصبحت في صفها الثاني الثانوي و مازال فارسها يملأ عقلها و قلبها و أحلامها أيضا .
أصبحت ترى أن الزميلات أصبحن أكثر تفاهة مما كانت تجدهن و كأنها قد كبرت ثلاثون عاما في عام واحد.
و في ليل جاء خبر انتحار الطالبة الفاشلة و كان حديث الأسرة عن تفاصيل ذلك الحدث و ملابساته, كانت تتابع الحديث في صمت كعادتها و عيناها تلمعان و لا تبدي أية انفعالات سوى ابتسامة باهتة تبادلتها مع أمها لم يلحظها سواهما.
هكذا إذا .... دخل أخوها الأكبر الكلية و زامله فارسها و الذي وطد علاقته به بسرعة و حماس و كان أخوها متحمسا أيضا للصديق الجديد إذ رأى فيه تقاربا في سلوكهما و ميولهما , كانت تسمع حكايات أخيها لأمها و تتابع و لا تعلن و كان داخلها يبتسم في هدوء , فهي وحدها تعلم سر التقارب السريع.
دخل بيتهم و كالعادة لم تكن الفتيات تجالس الشباب و مع ذلك يكفي أن يترامى صوته إلى سمعها, كانت كل كلمة تهزها, كانت تتابع الأحاديث بطرب غير عادي, كانت تتسمع أكبر قدر من الحديث , تقضي أطول وقت بالمطبخ إذ كان أقرب مكانا لمجلسه و تصنع الحلوى بكل العشق و اللهفة كأنها كانت في تلك اللحظة تبادله الغرام.
كان ذكيا إذ أدرك أن تلك الحلوى اللذيذة و الكرم الأكثر من حاتمي لا تصنعها إلا واحدة مهتمة برجل أيما اهتمام, فلم يعلق أبدا إلا بكلمات مقتضبة لا تفضح مشاعره.
كانت تراه رجلا كما ينبغي للرجال أن تكون, يكفي أن تجلس بين أخيها و أمها بعد نزوله لتتابع باقي الأحاديث ليرتسم ذلك الفارس بكل تفاصيله داخل مخيلتها.
كان مشوارها إلى المدرسة بعد ذلك نزهة و فرحا و عذابا إذ على قدر ما كان يصبرها أن تراه بعد أن اكتملت الكثير من صورته على قدر ما كانت لهفتها أن تلمس ذلك الشعر الخشن و تتلمس جسده و ذقنه بعد أن نبت الشعر فيها فتجرح يديها , كانت تريد أن تخلط بياضها بسماره فيذوبان معا و تذوب هي إلى حد الفناء.
تدخل صفها الثالث و تصبح شخصية بارعة بين قدرات لا تدري هي كيف و متى نمت فهي الآن الأقدر بين الفتيات على الحديث و المراوغة و الهروب و الدفاع و التبرير , لديها وجهة نظر جاهزة عن كل شئ تدافع عنها باستماتة و تقهر غريماتها في المناقشة فإن لم تستطع فتنصب لهن الفخ تلو الفخ فيقعن في أخطاء ساذجة تجعلهن يتراجعن عن وجهة نظرهن و إن احتاج الأمر ستستعمل التجريح بأسلوب غاية في اللباقة و النعومة و الهدوء و أحيانا بابتسامة تجعل غريمتها تتقبل ذلك في خرس و اقتناع و لو مؤقت و كانت هي تجرب المرة تلو المرة مع زيادة قدرتها و ثقتها و لقد تعلمت أيضا ألا تستعمل هذا السلاح كثير و إلا احترق الأمر كله فكان صمتها طويلا طويلا و كلامها قليلا كما كانت تجد راحتها مع البنات الساذجات الطيبات طيبة سلبية.
هكذا إذا .... تدخل الكلية أنثى كاملة الأنوثة و فارسها مازال يتبادل الزيارات مع أخيها و هي في كل زيارة تستمتع و تنتظر ..... و لا يحدث ما أرادت أن تنتظره , لا داعي للاستعجال فمازال طالبا.
في الكلية و جدتها زميلاتها شخصية خلابة , أنيقة في ملبسها , في سلوكها , في كلامها , كانت الفتيات تتودد إليها و هي التي تختار من بينهن من تصلح للصداقة أو لا تصلح و كانت دائما تنتقي صديقات (طيبات) من مستوى مادي واجتماعي أقل, لم تكن أبدا تصادق أحدا من غير هذه النحلة.
تزداد الأنوثة الكاملة نضجا و يتقدم الخطاب و ترفض بدعوى أنها مازالت تدرس و لا تريد شيئا يعطلها عن ......... دراستها.
تتابع أخبار فارسها الذي كثرت الأخبار عن نبله و شهامته و رجولته و مواقفه المليئة بالمبادئ و الشرف و المثاليات.
آه لو ترتمي في أحضانه يوما و تبكي و تخبره أنها كاذبة و غشاشة , خدعت الجميع و لم يكتشف خداعها أحد و أنها بإرادتها تخبره بذلك و تريد أن تتطهر به و إلى جواره, آه لو بللت دموع الندم كتفيه و خده ثم يأخذ بيدها إلى بداية جديدة تكون فيها طاهرة مثله و لكن ........... و لكنه لم يأت بعد.
ظلت تكتفي بمشاهدته في الشرفة موعدا لا يمكن أن تخلفه , ظل يزورها في أحلامها ضيفا كريما, أصبح شريكا في فراشها تنتظره مرحبة فإن لم يأت في أحلامها أغمضت عينيها و تحسست جسدها فيأتي بشوق و لوعة العشاق.
هكذا إذا ... تتخرج الغادة الهيفاء و تبدأ حياتها العملية , تعلمت أن تمشي بتؤدة و وقار و لكن كان داخلها دائما مذعورا لا يهدأ إلا إلى جوار أمها و إخوتها.
تجد نفسها متدربة تحت إشراف أخت فارسها و هكذا إذا كانت الفرصة أكبر لتسمع عنه كلام امرأة لامرأة و الواضح أن عملها هذا كان مدبرا و ليس وليد الصدفة و قد تضامنت هي مع الظروف بادعاء عدم الفهم.
يظهر الفارس وجها لوجه و لأول مرة حيث يزور أخته في عملها أو يوصلهما معا للمنزلين المتجاورين, استطاعت أن تسمعه و تقرأ شفتيه معا, كان لمعان عينيها يشتد كلما وجه إليها الكلمات و النظرات التي يملؤها كل شئ ..... نعم كل شئ , كانت نظراته تحدث تفاعلا غريبا داخلها يمر خلال سائر جسدها و ينتهي بها ملقاة في فراشها ليلا تتثاءب في ثقل كامرأة خلال فترات الحمل الأولى , و لكنها كانت تفيق من نومها بعد ساعة أو ساعتين و تستدعيه مرة أخرى ليأتيها في جوف الليل , معا سرا , على فراشها, في منزلها على بعد خطوات من والديها و إخوتها.
أدركت أخته القصة و كانت متحمسة لهذا العشق الغريب و القديم المتجدد فحاولت تقريب المسافات أكثر فأكثر و كانت تلك السنوات هي أفضل ما مر على غادتنا الهيفاء في حياتها فقد كان القرب حقيقة و لو أن الأوقات كانت قليلة إلا أنها كانت كافية لتعرف أن فارسها هو بحق فارسها و أنه الرجل الوحيد في هذا العالم الذي يستحقها.
منذ اليوم ستجعل الحلم به وردا و عبادة كصلاتها أو أشد , تبتسم و هي تتذكر نفسها كيف تصلي بين الصحو و النوم دائما حتى صلاة الصبح فقد تعودت الصلاة منذ طفولتها و كانت تضرب أو تعنف عل تركها فكان يجب عليها أن توهم أباها أنها تصلي و لو شكلا و نمت على ذلك.
هكذا إذا ...... تبدأ عملا جديدا , يتوافد الخطاب و يتوالى الرفض في انتظار و على أمل.
تنظر إلى نفسها في المرآة و تتحسس جسدها , لقد ازداد اللهيب سعيرا و تخشى أن تحترق الشمعة قبل أن يأتي فارسها .
لم يعد الطريق إلى عملها هو الطريق القديم إلى المدرسة و الكلية و لم تعد تحت التدريب في ذلك العمل المؤقت كما غرق فارسها في الحياة العملية و لم يبق لها إلا الحلم, حلم كل ليلة , عاد صوته يتناهى إلى مسامعها في المطبخ و هي تعد الحلوى بنفس الهمة و الحماس, ما عادت تقرأ شفتيه و لا ترى وجهه إلا لمحا و هو يعبر من الصالون إلى الباب .
تمر السنون, سنون كثيرة و ما زالت تحتفظ بجمالها و مازالت ترفض من يتقدمون لطلب يدها. تقدم أحد الخطاب و يبدو أنه كان دون المستوى و من الواضح أنه عندما أفهمه الأب أن طلبه مرفوض أخذ يلمح الرجل إلى سنها المتقدم بفجاجة و لزوجة أجبرت الوالد أن ينهي المقابلة, تناهى إلى سمعها أطراف من حديث الولد للوالدة فأدركت الفتاة أن الشمعة بدأت تأكل نفسها و انه آن الأوان أن تتزوج , فقد انتظرته أطول مما يجب.
تجد نفسها متدربة تحت إشراف أخت فارسها و هكذا إذا كانت الفرصة أكبر لتسمع عنه كلام امرأة لامرأة و الواضح أن عملها هذا كان مدبرا و ليس وليد الصدفة و قد تضامنت هي مع الظروف بادعاء عدم الفهم.
يظهر الفارس وجها لوجه و لأول مرة حيث يزور أخته في عملها أو يوصلهما معا للمنزلين المتجاورين, استطاعت أن تسمعه و تقرأ شفتيه معا, كان لمعان عينيها يشتد كلما وجه إليها الكلمات و النظرات التي يملؤها كل شئ ..... نعم كل شئ , كانت نظراته تحدث تفاعلا غريبا داخلها يمر خلال سائر جسدها و ينتهي بها ملقاة في فراشها ليلا تتثاءب في ثقل كامرأة خلال فترات الحمل الأولى , و لكنها كانت تفيق من نومها بعد ساعة أو ساعتين و تستدعيه مرة أخرى ليأتيها في جوف الليل , معا سرا , على فراشها, في منزلها على بعد خطوات من والديها و إخوتها.
أدركت أخته القصة و كانت متحمسة لهذا العشق الغريب و القديم المتجدد فحاولت تقريب المسافات أكثر فأكثر و كانت تلك السنوات هي أفضل ما مر على غادتنا الهيفاء في حياتها فقد كان القرب حقيقة و لو أن الأوقات كانت قليلة إلا أنها كانت كافية لتعرف أن فارسها هو بحق فارسها و أنه الرجل الوحيد في هذا العالم الذي يستحقها.
منذ اليوم ستجعل الحلم به وردا و عبادة كصلاتها أو أشد , تبتسم و هي تتذكر نفسها كيف تصلي بين الصحو و النوم دائما حتى صلاة الصبح فقد تعودت الصلاة منذ طفولتها و كانت تضرب أو تعنف عل تركها فكان يجب عليها أن توهم أباها أنها تصلي و لو شكلا و نمت على ذلك.
هكذا إذا ...... تبدأ عملا جديدا , يتوافد الخطاب و يتوالى الرفض في انتظار و على أمل.
تنظر إلى نفسها في المرآة و تتحسس جسدها , لقد ازداد اللهيب سعيرا و تخشى أن تحترق الشمعة قبل أن يأتي فارسها .
لم يعد الطريق إلى عملها هو الطريق القديم إلى المدرسة و الكلية و لم تعد تحت التدريب في ذلك العمل المؤقت كما غرق فارسها في الحياة العملية و لم يبق لها إلا الحلم, حلم كل ليلة , عاد صوته يتناهى إلى مسامعها في المطبخ و هي تعد الحلوى بنفس الهمة و الحماس, ما عادت تقرأ شفتيه و لا ترى وجهه إلا لمحا و هو يعبر من الصالون إلى الباب .
تمر السنون, سنون كثيرة و ما زالت تحتفظ بجمالها و مازالت ترفض من يتقدمون لطلب يدها. تقدم أحد الخطاب و يبدو أنه كان دون المستوى و من الواضح أنه عندما أفهمه الأب أن طلبه مرفوض أخذ يلمح الرجل إلى سنها المتقدم بفجاجة و لزوجة أجبرت الوالد أن ينهي المقابلة, تناهى إلى سمعها أطراف من حديث الولد للوالدة فأدركت الفتاة أن الشمعة بدأت تأكل نفسها و انه آن الأوان أن تتزوج , فقد انتظرته أطول مما يجب.
تناهى إلى سمع الفارس عن كثرة خطاب حبيبته و توالي الرفض و المبالغ فيه أحيانا فأحس بالحرج و من فوره فاتح أباه ذو المركز الاجتماعي و الأدبي المرموق فتبين من رده أنه غير موافق و بعد الكثير من الحديث و الأخذ و الرد قرر فارسنا أن يكون ولاءه لأسرته قبل حبه, و لأنه فارس و مثالي فلقد انتهز أقرب فرصة ليفتح موضوعا عن الزواج مع صديقه أخو الفتاة و بلباقة يفهمه أنه يريد الزواج و الاستقرار لكن إمكاناته المادية لا تسمح الآن و لن تسمح لعدة سنوات قادمة و الله يعلم إلى متى و في خضم دهشة صديقه و توجسه لم يشأ أن يناقشه و لكنه فهم ان في الأمر رسالة ما و الذي نقلها إلى الأم أمام الأخت الصامتة أغلب الوقت.
هكذا إذا ... و قد بدأ العمر في التآكل , فكرت وحيدة كعادتها , إذا هي انتظرته لن تصلح زوجة له, لن تنجب له أطفالا يملئون حياته , و لكن ليس لديه إمكانيات؟ شئ عجيب حقا , أرادت أن تغفل نفسها فطردت هذا الخاطر بعيدا, إنه فارس فلابد انه صادق و هو يحبها و هي متأكدة من ذلك , ستحافظ على عهده و لآخر ليلة في عمرها و إن تزوجت نجل السلطان فلن يثنيها هذا عن العهد المقدس الذي اتخذته على نفسها.
هكذا إذا ... يتقدم رجل مناسب و هي الآن على حافة الخصوبة , إنه من النوع الطيب الذي تفضله و أبلغ دليل على أنه طيب أنه تقدم لخطبتها فهو يكبرها بعدة أشهر كما أن كل الملابسات و الظروف لا ترشحها عروسا له.
و لكنه ..... أبيض اللون , ناعم الشعر, طويل القامة , لا يبدو لها مثاليا و لا فارسا, متوتر أغلب الوقت , يفتقر إلى الركوز و التركيز , مندفع في الكلام , في العواطف, مندفع نحوها في بلاهة مضحكة تجعل الأمر كله هزليا.
كانت تشرد و هي جالسة معه أستقضي باقي حياتها مع هذا المهزوز المهرج؟ أستقضي باقي حياتها مع هذا الناعم الرومانسي؟ و الذي لا يبدو لها رجلا من أساسه, رغم فحولته التي تبدو في تضاريس جسده و لكنها .......... لا تشعر أنه رجل.
كان الرجل الطيب يتدله بالحب و بالأشواق في فتاته الجميلة و هي تنظر إليه باستغراب شديد و بجمود أشد و داخلها كانت تشك في قواه العقلية فهو ليس طيب فقط بل أعمى القلب أيضا.
لقد كانت بالنسبة لها زيجة مناسبة و السلام و لم تظهر ما يجعله يندفع بهذا الشكل الأحمق.
ما هذا الملل الذي تبدأ به الحياة الزوجية كانت ترد عليه بردود قصيرة باردة و أحيانا قاسية محاولة قياس مدى حمقه و تفاهته و لكنه لا يريد أن يتنازل عن إغراقه في الطيبة .
كانت تنظر إلى شعره و بياض بشرته و أسلوب كلامه و عرضه و تشرد مقارنة بينه و بين فارسها و طبعا المقارنة ظالمة بين من تحب و من لا تحب, جاءتها فكرة شجعتها على الاستمرار فهذا التباين يساعدها على الوفاء بالعهد.
لاحظ كثرة شرودها و سألها سؤالا فجا مباشرا فلجأت إلى فنون المراوغة متعللة بأنها تسترخي ذهنيا قبلها الرجل حتى دون أن يسأل عن معنى الاسترخاء الذهني.
تم عقد العقد و حدث اطمئنان إلى استمرار الزيجة و لم يبق على الزفاف سوى شهرين و شيئا فشيئا تكشف وجهها الذي ظهر في الصف الثالث الثانوي ثم تبلور أكثر أثناء الكلية و العمل.
خلط عنيف بين الطيبة و قلة الحيلة و بين الطيبة و البلاهة و الحمق و دائما نظلم الطيبة في منتصف نقائص لا علاقة للطيبة بها , فالطيبة هي المتهم البرئ في كل تلك الأحوال.
أصيب الطيب بالخرس و كأنه سكت عن الكلام أو مل كلاما رده كلمة أو كلمتين و مل جمود المشاعر و الذي تظهره الآن ببراعة و فخر و أكمل صاحبنا الزيجة لأنه رجل طيب.
شهر عسل تقليدي بالإسكندرية كانت أثناءه الفتاة في مهمة استطلاع و تقييم و دراسة كي تضع خطة التعامل في المستقبل بينما كان الرجل غارقا في حالة من الهيام الحالم و كأنه لا علاقة له بما حوله.
كان أول انتباه للرجل بينما كانا يجلسان على شاطي البحر مع المذياع الصغير عادة أهالي المدن الصغيرة كانت تحدق في البحر و كان المذياع يذيع أغنية لفريد الأطرش (يا زهرة في خيالي), (أسكنتها في فؤادي),(جنت عليها الليالي), (وأذبلتها الأيادي), نزلت دموعها حارة تكوي قلبه و روحه و طلبت منه أن يطفئ المذياع بلهجة عصبية متألمة.أذعن لأمرها و بعد لحظة من الصمت سألها بهدوء عن معنى ذلك , أخذت تراوغه بمبررات لا تنطلي على طفل صغير.
و بدأت الحياة و لم يمض كثيرا حتى مرض الرجل بأمراض عجيبة و شكاو أعجب أجمع الأطباء أنها لا تندرج تحت أي مسمى مرضي معروف, طبيب مغمور لامع الذهن اقترح عرض الرجل على الطبيب النفسي و اختارت الأسرة طبيبا نفسيا طيبا مثله.
حار الطبيب في الأمر و لكنه أكد أن هناك مرض نفسي و ربما أن المرحلة هي مرحلة ما قبل المرض لذلك يصعب التشخيص.
عندما يحتار الطبيب تكثر قائمة الأدوية و عنفها , يتعاطى الرجل الدواء فيصاب بالنوم العاجز, هو أقرب للموت من النوم , ينسحب تدريجيا من الحياة و من حوله, علاقاته تتقلص و لا يستيقظ تقريبا إلا للضروريات و مطارحتها الفراش, تنظر إليه دائما من أعلى و شعور بالزهو و التفوق يظهر جليا في ملامح وجهها , كان الرجل يتعجب في صمت مجبر هو عليه , فقد كان تدريجيا , يفقد ملكاته الملكة تلو الأخرى في شعور أليم بالعجز ساعدتها قدرتها على الحديث أن تخرس ما بقي منه من لسان و ما بقي منه من منطق.
لاحظت أن ذاكرته تضمحل بل تنهار فأضافت سلاحا إلى أسلحتها تنخسه به إذا فكر أن يفيق من غيبوبته.
ألبسته ثوبا من كل النقائص التي في الدنيا ابتداء من طعنه في رجولته و مرورا بأنه مقزز حتى في طريقة تناوله الطعام إلى أنه غبي و أحمق و لا يصلح لشئ , كان يشكو للطبيب سوء المعاملة و يعلن صراحة أنه يريد فراقها فيعينها الطبيب عليه بأقراص مهدئة و أحيانا مضادة للاكتئاب و النتيجة نوم طويل.
أخذ الرجل يتلقى الصفعات في صمت و هدوء صناعي لا مثيل له بين البشر, كان وجهه كقطعة ملساء من الشمع كان ينظر في عينيها ليجدها تشع بسعادة غامرة و هي تنهره و تهينه, كان يشعر بأن روحها ترقص طربا بهذا العبد الذي اشترته بلا ثمن أو بمعنى آخر هو الذي يدفع الثمن.
كان الطبيب الطيب يضع لمريضه المنهار أهدافا صغيرة كانت تعينه هي عليها و كانت عيناها تلمعان بذلك الإحساس بالقوة كما يأخذ الكبير طفلا صغيرا ليعبر به الشارع و كانت أكبر الأهداف و أعظمها هي التوجه للنادي.
الرجل يحاول الاستعانة بعقله فلا يعينه فهو يرقد في غيبوبة من النوم فإذا استيقظ فهو في غيبوبة من التبلد و الطبيب يؤكد له أن زوجته هي امرأة فاضلة بكل المقاييس و أنه مريض و يجب أن يستمر في تعاطي العلاج و أن كل ما يشعر به إما من المرض أو من الآثار السلبية للدواء و ينهي المقابلة بابتسامة حانية طيبة, سريعا دائما ..... فالوقت لا يسمح.
في ومضة من ومضات العقل بين المرض و آثار الدواء السلبية إذا أنا غير موجود.
هكذا إذا .... بذلك الشعور الغريب ينظر الرجل إلى نفسه فيكتشف أنه غير موجود أصلا فلقد حوله الطبيب الطيب إلى كتلة هلامية من الأعراض و الأعراض الجانبية لا أكثر .
يثور الرجل على طبيبه ثورة ثورة باردة متبلدة و لكن بها الكثير من الأنين و يحاول تغيير الطبيب فيقف أبويه حائلا دون ذلك مدعين أنهما يعلمان بعلمهما الواسع و خبراتهما الطويلة أنه ليس في الإمكان أكثر من ذلك بالنسبة له, فكر الرجل كيف يثق بأناس يحكمون عليه بالموت حيا شاهرين في وجهه لافتات العلم و الخبرة كي يقهروا إرادته المقهورة أصلا.
وافقته الفتاة على تغيير الطبيب فقد كان من الواضح عمليا بالنسبة لها أن تغيير الطبيب لن يقدم كثيرا أو يؤخر.
هكذا إذا ........ يلعب القدر من ناحية و الخبرة و الثقافة من ناحية أخرى دورا في اختيار الرجل للطبيب الجديد, فقد اكتوى بالعقاقير من ناحية و كانت قراءاته التي لا تعلم عنها الفتاة شيئا تؤكد أنه (ليس بالدواء وحده يشفى المريض) و لكن توجد اتجاهات أخرى كثيرة مع الدواء كي تعين المريض مع الطبيب لبلوغ هدفهما معا.
جلسا أمام أحدهما الآخر عينان متبلدتان كسيرتان أمام عيني مقاتل جاد شرس, طيب طيبة حقيقية قوية فاعلة, تحدث معه و كان أحيانا يتصنع التشاغل عنه و لكن الرجل كان يعلم يقينا أنه يسمعه جيدا.
وضعا خطة العلاج معا فيما يشبه التعاقد ثم أردف الطبيب يفهم الرجل أن الشفاء مسئولية المريض ثم أضاف: و إن لم تشف ملعون ......... ......... هنا نظر الرجل إلى طبيبه و أطلق ضحكة قاسية قائلا: أحبك يا دكتور.
نظرت أم الرجل إليه زاجرة لتصرفه المشين و كان هذا بمثابة اعتذار للطبيب, لم تعلم الوالدة أن العبارتان و الضحكة كانتا العقد الحقيقي , لم تشعر بأن تلك الضحكة كانت تهز المكان و ترعبه بل و تربكه, ربما شعر الطبيب بذلك فلقد أدرك أحدهما الآخر حتى بدون كلام.
طلب الطبيب رؤيتها و تحقق الطلب, دهش الطبيب لفرط طيبتها و حنانها البالغ على الرجل, أخبره الطبيب أنها آية من آيات كتاب الله العزيز, لم يرد الرجل فقد كان بينهما أكثر من ذلك.
هكذا إذا.... يبدأ الرجل رحلة علاجه و لم يكن الطبيب متهاونا بل كان قاسيا و أحيانا مبالغا في قسوته و كان الرجل يتحمل في صبر و عناد , كان يقرأ في عيني طبيبه كلاما آخر ربما يكمل الذي قيل و ربما يناقده, كانت قناعته أن الطبيب يخفي أكثر مما يبدي و قد كان الرجل شغوفا أن يعلم عن ذلك المخفي.
اشتدت آلام الرجل البدنية و أصبحت لا تطاق و الرجل يتحمل في عناد وسط شفقة أهله و شماتة زوجته.
هكذا إذا .... يواجه الرجل طبيبه بأن آلامه قد زادت إلى حد اليأس و الطبيب يظهر اللامبالاه أو بالأحرى يتظاهر بها و الرجل يدرك عيني طبيبه جيدا.
يحددان أهدافهما معا , ينجزان معا , ينجحان معا, يحتفلان معا, و ينموان معا . تحول العلاج إلى بهجة حقيقية و إضافة لكل منهما.
تدريجيا تختفي الآلام و لكن تزداد الصعوبات فالرجل لم يعد طيبا تلك الطيبة الساذجة , كما أصبح مسئولا و هل كان غير ذلك؟ يبدو ذلك, مع زيادة الشعور بما حوله أو رؤيته لما حوله تعاود الآلام في الظهور يبدو أن رجلنا يريد أن يهرب من الرؤية الجديدة و يعاود الدخول إلى شرنقته مع طيبته و سلبيته تحميه آلامه إذا حاول أن يطل خارجها.
أغرب تحد من نوعه أن يتبادل المريض و طبيبه التحدي ثم يتحديان معا المرض و الألم .
كانت تلك العلاقة ثلاثية الأبعاد تنمو و تتعملق لتصنع عالما جديدا لذلك الرجل البائس حقا.
هكذا إذا ......... رأى الرجل الحقيقة كاملة أو هكذا تصور, امرأة تزدريه و لم تحبه يوما , أهذا فقط؟ بل أكثر, لقد رأى الرجل نفسه , راجع مشواره معها و قبلها, كم هو محبط ما فعل هذا الطبيب ,لعن نفسه و لعن الطبيب و لعن الغادة الهيفاء و لكن ......... لم يتنازل عما رآه , ربما كان التنازل أكثر راحة و أكثر أمنا و لكن أبدا لم يستطع ذلك , لقد زرعا معا التحدي و العناد , لقد بدءا الحرب و لا يستطيعان التوقف.
هكذا إذا...... يحاول الرجل أن يترك تلك الغادة لحالها و الطبيب يرفض و يصر أن يبقى معها , الرجل يذعن على مضض و يحاول أن يقنع الطبيب بما تستعمله معه من ألوان الحيل و الخبث و الطبيب يزداد تعنتا المرة تلو المرة .
لم يجد الرجل أمامه سوى أن يسجل المواقف على الورق كنوع من الوثائق الدامغة على أفعال الغادة التي مازالت جميلة هادئة رزينة أمام الآخرين, كلما قابلها الطبيب أكد على سماحتها و رشدها و الرجل ما زال يحارب على الورق, يأخذ الطبيب الأوراق في كل مرة و يضعها جانبا ثم يطلب منه أن يخبره بما فيها , ينجح الرجل حينا و يفشل أحيانا و في كل مرة يضع الطبيب الورق أمامه في القمامة, و في النهاية يتخلى عن الورق .
تصرف الرجل بطريقة غريبة لقد كان يحضر الورق فارغا و يضعه أمام عينيه كأنه يقرؤه ثم يلقي به إلى القمامة وسط ابتسامات الغادة الساخرة و نظراتها اللاذعة و لكن ... أصبح يبادلها نظراتها بنظرة متحدية .
التصق الرجل بطبيبه يتعلم منه الحياة و الثقافة و الفلسفة و ذلك خارج نطاق العيادة و أصبح يتبعه في ندواته و نشراته و أصبح قارئا له فهذا الطبيب - من حسن حظ الرجل - صاحب فلسفة و نظرة و تفسير أيضا و لكن ..... يبدو أن الرجل و طبيبه يتطابقان بشكل أو بآخر.
الآن تطول النظرة بينهما و يقل الكلام و كأنهما يقرآن أعين أحدهما الآخر و يتبادلان شيئا ما يدركانه بلا حاجة للكلمات أصلا.
تغير الرجل ...... نعم تغير الرجل, لم يعد يلقي بالأوراق الفارغة إلى القمامة , أصبح يداور غادته و يحاورها و يناورمعها , أصبحت الذاكرة ضد الذاكرة و المنطق ضد المنطق, أصبح ينصب لها الفخ تلو الفخ لتقع بسذاجة شديدة, حقا إنها لا تعترف و لكنه كان يقرأ عينيها و يبتسم .أصبح الرجل مصدر إزعاج للغادة حتى أنها واجهته بأنه قد أصبح خبيثا و عميقا, كانت كلماتها تطريه من داخله دون أن يظهر ذلك.
هكذا إذا ........ ينطلق لسان الرجل فلا تسكته الغادة بل يسكتها هو و يوجه لها النقد و لكنه نقد يصيب عظامها لا لحمها فقط , أصبح الرجل قاسيا أحيانا قسوة في موضعها , سمحا أحيانا سماحة في موضعها متساهلا كثيرا لكن دون تفريط , أصبح الرجل يطالب بحقه و تسأله الغادة ساخرة : و أين كان حقك من زمن؟ فيدمغها بكلمة:( أريد حقي الآن) تعلم الرجل (أن ما يحدث الآن يمكن أن يحدث في كل آن).
لكن الماضي أصبح ماثلا أمامه يؤرقه و يعذبه و لم تنفع معه حكمة (أن الماضي قد ولى و لا يعود).
بدأ الرجل و طبيبه موقعة أخرى خرجا منها بتجربة أن الماضي تتضاءل أهميته مقارنة بالحاضر يخبو و يخفت و لا يموت و ما أهمية الماضي أمام الحاضر الذي امتلأ بزخم الماضي و شمس الحاضر فأصبح أكثر تلألؤا و بريقا و صار الماضي باهتا هزيلا.
هكذا إذا ....... تفقد غادتنا سلاح الماضي أيضا و لا يبقى لها إلا السعار.

ما أخبث هذا الطبيب الذي نقل ميدان المعركة من الورق إلى الحياة و المعركة ليست معركة رجل مع امرأة و لكن الحقيقة أنها معركة الرجل مع نفسه و أحيانا مع طبيبه يتواجهان مرة و ينضمان إلى نفس الصف مرة.
يطلب الطبيب من مريضه أن يقترب من غادته الهيفاء في محاولة بناء العلاقة من جديد, كانت معركة كبيرة , كان كفاحا و نضالا و صبرا و ألما و لكن الغادة لا تريد أن تقترب فاقترابه يزعجها أكثر مما يزعجه ,تريد ان تحتفظ بالمسافة بعيدة إلى أقصى ما تستطيع فاقتراب الرجل كان يهددها فذلك الكيان الهش لا يحتمل اقترابه أدرك الرجل في تلك اللحظة مدى ثقله لا قيمته فقد أصبح ثقيلا عليها بدرجة لا تستطيع تحملها,أصبح مجرد وجوده معها في المنزل مصدر تهديد مستمر و انعدام لكل ما هو ثقة و كل ما هو أمان.
أدرك الرجل انه يعيش مع قنفذاء لا تأمن إلا لأفراد عشيرتها اما إذا اقترب آخر فإنها تتحول إلى كرة من الأشواك تجرحه فتجبره على الابتعاد و أدرك أيضا أن أشواكها هو جلدها إذا نزع عنها ماتت.
أدرك الرجل أن الغادة الجميلة قد تصلب داخلها من زمن بعيد فلا يدخلها شئ أو يخرج منها.
هكذا إذا ...... أصبح الرجل جاهزا أن يقترب و يقترب منه , اللعنة على هذا الطبيب إن الرجل يخرج من ورطة ليدخله الطبيب ورطة أخرى و رغم أن الطبيب كان يجبره على مواصلة الاقتراب من الغادة إلا أن عينيه كانتا تقولان شيئا آخر إذ قرأ الرجل:(أنا مطمئن عليك هيا افعلها و ابدأ من جديد), كان الرجل يتمزق بين ما يفعله الطبيب و بين ما يقرؤه في عينيه و كثيرا ما يسأل نفسه أيهما أصح ما يقوله ام ما يوحيه و أخيرا ومض ذهن الرجل , المشكلة الحقيقية ليست في اقترابه من غادته , المشكلة في اقترابه من نفسه , المشكلة الحقيقية في بداية حقيقية جديدة مع الكون كله بما فيه الغادة , الغادة هي جزء صغير من كون فسيح , المطلوب بداية جديدة مع الكون, المطلوب أن تقترب من نفسك فتتحملها ثم تبتعد قليلا فتراها ثم تقترب من آخر فتتحمله ثم تبتعد قليلا فتراه في داخلك و في الكون كله.
هكذا إذا ......... في ومضة من الذهن يجوز من الروح يعيد الرجل علاقته بالكون كله بل و بالله سبحانه و تعالى و يجزم للطبيب بأنه يحتوي الكون كله بداخله فيبتسم الطبيب و يخبره أنه لن يحتاجه لفترات طويلة و أنه الآن مطمئن عليه.
فيرد الرجل: و أنا أيضا مطمئن عليك.
أصبح الرجل في علاقة ما بكل ما هو حوله و يكون للشئ الواحد أكثر من جانب, يرى الجمال في كل شئ حتى في القبح و يرى طاقة غادته التدميريه التي لا يستطيع استيعابها أو تحويلها لشئ آخر, يراها يوما بعد يوم تفضح داخلها و لسان حالها يقول: (الآن و قد عرفت كل شئ هيا افعلها إن كانت لديك الشجاعة).
كان الرجل ينظر إليها ببرود و شئ من الشفقة و يمد يد المساعدة فلا تقبلها, يسأل الرجل نفسه أين العاطفة القديمة؟ أين الحب الذي كان؟ هل كنت أعرف الحب في الأساس؟ هل أحسسته تجاه نفسي أو تجاه آخر؟
رغم إحباطات الرجل لم تعاوده الآلام , لم يكن محتاجا لألم يحميه مما رأى إذ يكفي جدا ألم ما رأى, يبدو أنه اعتاد أن يتحمل كل أنواع الألم بقبول فائق و بلا استسلام في آن .
تأتيه الغادة و تطلب منه الطلاق بعينين زجاجيتين لا حياة فيهما و نظرة من شماتة, يظهر الرجل عدم الدهشة بل و ابتسامة رضى و يخبرها بإخلاص أنه لا مكان لها في حياته الجديدة , تتحول الغادة إلى الصدمة و تسأل عن امرأة أخرى في حياته فيخبرها أن الحكاية بدأت من شهور مضت عندما أصبح جاهزا للاقتراب و الرؤية , اقتربت منه امرأة أخرى و اقترب منها.
أخبرها أنها أقل منها جمالا و لكنها تحمل معان إنسانية كبيرة, تحمل بحث الإنسان عن الاكتمال و شقائه و تحمله في سبيل بحثه عن الأمان, تحتاج رجلا و تحتاج أن يحتاجها رجل, تسبه الغادة فلا يرد, تحقره فينظر إليها كالجماد و لكنه من داخله ليس كالجماد, تكشف عن كل قبحها و كيف تحملته كل هذه السنين و هي لا تحبه و استعملته كقطعة غيار لا أكثر, كواجهة, كإطار تزين به حياتها, اخبرها الرجل أنه كان يعلم من داخله و أنه لم يفاجأ, يزيد اشتعالها يبدو أن هذا الموقف لم يخطر ببالها و لو خيالا فأين ذهب حبه و غرامه الذي كانت تتقبله من أعلى و هو ساجد في محرابها؟
وصفته بالكفر لأنه كفر بنعمة الله عليه و أخبرها أنه كفر بها هي و ليس بأنعم الله , أخبرها أن الإله عادل و هي ظالمة, و الإله محب و هي كارهة, و الإله رحيم و هي قاسية ثم غادر في هدوء و تركها لسعارها.
هكذا إذا ..... يخرج الرجل مهزوما منتصرا, فرحا مكتئبا, سعيدا حزينا, يمر بعينيه شريط طويل من الذكريات, يقف عند كل موقف كان المفترض فيه بأي رجل أن يخرج و لا يعود, يسأل نفسه لماذا أجل نفسه هكذا؟ أكان يحبها لدرجة إلغاء ذاته؟ أم ألجمه الخوف ؟ أكان خوفا أم رعبا؟ مم كان الرعب؟
من مسئولية و تبعات ما سيحدث ؟ أم خوف من التغيير, من الحركة؟ .
ماذا تعلم خلال الرحلة؟
عندما كان يمزح مع أصدقائه يخبرهم أنها (كانت شكة دبوس)
أكانت كذلك؟
إهداء: إلى من أقرؤها خلف السطور.

الساعة (قصة)


جلست أنظر إلى ساعة الحائط , تدور العقارب لا تتوقف, تخرج الحية من الساعة , تلتف حول عنقي, تجذبني إلى الداخل, تصلبني على العقارب, بسمة تروح و تجئ في كسل و لا تلحظني , أحاول أن أستنجد بها فلا يخرج صوتي, إنها لا تنظر إلى الساعة أبدا.
ينبت لي زغب و ريش و جناحان كبيران و منقار كبير حاد , أكسر الساعة لأنطلق عبر الزجاج و أرى مجموعات من أبي قردان, قطعا إن شكله أجمل و لكني أقوى, ألمح شيئا يتحرك في الأرض الطينية إذا هناك و جبة شهية و لكن الوغد يسبقني إليها برشاقة و خفة , آه إنها حية كبيرة أخرى قتلت الوغد المأفون و أنا الذي كنت أحسده ,على أية حال قد نال جزاءه, أما أنا فمازلت معلقا هنا بين السماء و الأرض , أنظر خلفي فأرى بسمة خلف الزجاج تنظر و كأنها تسجل الموقف كله , و مازلت أنا طائرا , ولكني لست طائرا أصلا , لا بأس من أن أحلق فهو أسهل من المشي على الأرض .
أشكر كل من كان له دور في كتابة هذا النص

أبي و الحلم (قصة)


رن جرس الهاتف وما أن رفعت السماعة حتى انهال على بسيل من السباب ثم أردف: أين أنت من ثلاثة أشهر
وأجبت: مشغول والله يا حاج
فأجاب: البيت على بعد ثلاثة خطوات
أجبت: عندى ساعتين من الفراغ صباحا سآتيك باكرا
قال: ولكنى أذهب للنادى صباحا
قلت: ولكنك تذهب للنادى منذ واحد وعشرون عاما فلا تذهب غدا
أجاب: ملعون أبوك لأبو اللي جابوك وأغلق السماعة.
أطرقت وأنا أتذكر صفعته على وجهى عندما كنت فى الثامنة عندما تأخرت عن موعد عودتى ثلاث ساعات ولكنى لم أنس أبدا منظر هلعه علي وتذكرت عندما كان ينظر إلى بقسوة عندما أخطئ ولكنى لم أر فيها أبدا غير حب عميق وتذكرت حينما عارض دخولى كلية الطب لأنى لن أكون سعيدا بالدراسة المستمرة واتهمته والدتى حينها بالجنون, و تذكرت حينما وبخني شابا لأني عاكست فلاحة بسيطة فأصبحت من يومها ملتزما , هنا رن الهاتف يستدعينى لاستقبال مولود, بسرعة نسيت كل شئ وتوجهت إلى عملى وعندما عدت توجهت للنوم مباشرة ورأيت نفسى فى غرفة الولادة أستقبل مولودا هو لأبى كانت المرأة جميلة وفتية والممرضات يضحكن ويتغامزن وترامى إلى سمعى بعض الكلمات مثل _ إنه فى الواحدة ولثمانين_ كنت سعيدا حقيقة بل ومبتهجا أيضا وعندما خرجت لم أجده وتوجهت إلى منزله فقابلنى بامتعاض وأسرعت أخرج الحبوب من جيبى فسألنى ما هذا؟ أجبته حبوب زرقاء لزوم العروس الجديدة
فصاح: امش يا ابن الكلب أنا أفضل من عشرة مثلك.
استيقظت ومازالت الابتسامة على وجهي, ارتديت ملابسى وسألتنى زوجتى لماذا كل هذا التأنق فى الصباح الباكر إلى أين؟ فأجبتها إلى النادى.

شكرا مولاتي (قصيدة)

شكرا مولاتي شكرا
لولاك ما قلت شعرا
لولاك ما أحسست حبا ما كنت بشرا
هذا لا يعنيك و غيرك يعتني جدا
لا تخافي لن أحبك قسرا
لن أطاردك ظهرا و عصرا
فأنت لا تعني شيئا لا تفهمي شيئا
لم تبلغي رشدا
لست إلا شعرا و خصرا
لست إلا نهدا و قدا
لست إلا جسدا لست إلا شمعا
انسحقي أو انصهري فلست أرى لك قلبا

سأنكر طفلا (قصيدة)

سأنكر طفلا عاش قتيلا و أبت ضلوعي أن تحتويه
سأنكر حبا و ليلا طويلا سأنكر قلبي ما دمت فيه
سأنكر ليلا طويل الأماني و قلبا لجوجا و ما يعتريه
سأنكر عقلا كثير السؤال لماذا هجرت و ما تطلبيه
أكنت طفلا حين اعتقدت أني امتلكت ما أشتهيه
كمت شقيا كم تألمت كم كنت سفيها بحب السفيه

الثلاثاء، 9 يونيو 2009

يا أيها الذي (قصيدة)

يا أيها الذي قبلته ليصدني
أنت الذي حين أمرت أطعتني
فظننتك أطعتني
أنت الذي يوم اشتراني ليبيعني
و حين شئت فراقك غنيتني
و عدت إليك ليتني ما عدت
ما عدت حتى تركتني
أنت الذي جذبتني كدمية الأطفال
ثم سئمتني
بنيت من الرمال مسكنا و دفنتني
غرقت في اللهو حتى نسيتني حتى نسيتني
أذكرت يوم ضممتني
و كأن البحر ضمني
و كأن القمر كان يراني و يعتني
و طير الحب نظرني
مما اعتراني عذرني
لا تشتكي الآن العذاب فقد عذبتني
و حين شئت جرحتك أذكرت يوم جرحتني
فالعق دماءك أو دمي
أسقيك ما جرعتني
أخسرت قلبا ؟ أخسرت حبا؟ أم تراك هزمتني؟

أمل (قصيدة)

ألم و أمل نهران يلتقيان
و جرح قد اندمل قد صار للنسيان
و قلب بما ثقل قد عاد للخققان
و ارتعاش عواطف على أوتار حنان
كل شيئ هادئ يا زهرة الأغصان
نامي قليلا و اركضي بالغاب بالشطآن
نامي قليلا و احلمي بالحرب بالفرسان
طيري بالهواء و حلقي سأكون بكل مكان
بالغاب .. بالشطآن .. بالحرب مع الفرسان
سأكون بالفجر.. بالربيع .. سآتي بكل زمان
عودي إلي أضمك لو كان بالإمكان
سأكون معك في السماء قد يلتقي النجمان
سأكون هنا في الأرض قد يلتقي النهران