كنت أتشبث بلحمها بعنف, أريد أن أنتزعه لآخذ جزءا منها معي, أحتفظ به في غربتي إذ لا تسعني الذاكرة , ذاهب لأداء الخدمة الوطنية, متى أرجع؟ متى أعود؟ بالنسبة لأمثالي الخدمة ثلاث سنوات , نحن الجنود العادة وقود الحرب و أين الحرب؟ إنهم يأخذوننا لمسرحية هزلية تستمر ثلاث سنوات و لا شئ أكثر.
أخذونا إلى مركز التدريب , كانوا يسوقوننا كالبهائم و كل شئ غريب , غريب,
انتقوا الأشداء منا للقوات الخاصة و خرج زملاءنا في إجازة أما نحن فلم نخرج
, واصلنا التدريب في معسكر القوات الخاصة , كنا نتعجب من قسوة التدريب و
جديته و أحيانا نسخر منهم في أنفسنا أو معا ليلا في حديث هامس فكل شئ يصل
لفوق.
قسمونا إلى فصائل باختيار دقيق و سرايا ,شهرين متواصلين من التدريب و ما أن
كدنا نتنفس الصعداء حتى أخذونا لمشروع تدريبي في وسط الصحراء , كنا سعداء
إذ أن المشروع علامة لانتهاء التدريب هكذا أخبرنا الصول سميح. خرجنا في عدد
من السيارات و لاحظت انضمام سيارات مدرعة خفيفة الحركة للرتل و ما لبثت
السيارات أن تفرقت وسط الصحراء لكل وجهته هنا أحسست بالوحدة رغم وجود
زملائي معي بالسيارة. ما أن نزلنا من السيارة حتى فاجاءنا وابل من الطلقات
الحية و لم ننتظر الأوامر بل جهزنا سلاحنا و وسط صراخ الضابط فينا إضرب
........ إضرب , بدأنا الضرب و كان الرد علينا كثيفا ثم سمعنا طلقات تضرب
من مناطق بعيدة و خفت كثافة النار علينا فخمنا أن زملاءنا بدأوا بالضرب,
كنا نقترب رويدا رويدا و كانوا يندحرون إلى أن اعتصموا بمبنى أبيض كبير
مربع وسط الصحراء و تبرز من سقفة أعمدة خشبية , أمر الضابط الثلاثة
المكلفون بحمل الصناديق الثقيلة بالتوجه للمبنى و كنت واحدا منهم و كان
الأمر بوضع الصناديق بقرب المبنى قدر المستطاع و العودة فسألته هذه
الصناديق تكفي يا فندم؟ فابتسم قائلا صندوق واحد يكفي, لم أفكر ولكن توجهنا
نحث الخطى منحني الهامة للمبنى تحت تغطية من رصاص زملاءنا و كان هناك
إصرار منا أن نقترب و لو فقدنا حياتنا, اقتربنا حتى كدنا أن نقتل و وضعناهم
و جاءت إشارة عبارة عن طلقة ضوئية لنا بالانسحاب و ما أن عدنا حتى انفجرت
الصناديق الثلاثة تبعها انفجارات أخرى ليختفي المبنى بالكامل وسط فرح و
تهليل الزملاء و تبادل التهنئة و سمعنا صرخات تأتي من جوف الصحراء (مقام
سيدي سالم) (مقام سيدي سالم) , و حسب الأوامر قمنا بتمشيط المنطقة فلم نعثر
على أثر لحي أو ميت كانت الأشلاء أو ما بقي منها حول المبنى, اصطففنا
لنعود أدراجنا وسط تحية من جنود عاديين أتوا لعمل سياج حول المبنى و سألت
الضابط و كان يحبني : من هؤلاء؟ فأجاب ليس لك أن تسأل؟ و عدت وسط وجوم
الزملاء و عيونهم تسأل عن ماهية هؤلاء. لم أنم الليل و كان رأسي يتكسر
بسواطير الأسئلة التي لا إجابة عليها.في الصباح اصطففنا في أرض الطابور
ليكرمنا القائد بكلمة و يعطي أفراد المهمة إجازة شهر. عدت فوجدتها متبرجة
ماجنة , استطاعت أن تهرب زجاجة صغيرة من عرق البلح و تحتفظ بها لقدومي و
لكني شممت رائحة اللحم المشوي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق