تنطلق السيارة متهادية إلى الجامعة فالوقت ظهرا و الزحام على أشده, لم يكن الأمر كذلك منذ سبعة و عشرون عاما حين تزوجته. اليوم حفل تخرج فلذة كبده, مدللته, آخر العنقود, يحدق في الفراغ و لا يتكلم و ما حاجتي للكلام معه, بل ما حاجتي إلى الكلام أصلا, لا أنسى حين تزوجنا, كان ثرثارا كثير الكلام و أخذ كلامه يقل تدريجيا و بعد عشرون عاما من زواجنا و مع تخرج ابننا الأكبر أصيب بالخرس. قد كان غريب الأطوار منذ أن تزوجته يتكلم بكلام غريب لا منطق فيه و لا عقل, كنت أشك في قواه العقلية منذ أن تزوجته, بل كان يبدو لي غريبا في فترة الخطوبة و لكني.............. أكملت, كان من الصعب أن أنفصل بعد زواجنا بأسابيع, رفضت الفشل, إذن ماذا سيقول الناس عني؟ كما أن حملي جاء سريعا, الحمل ذلك الإنجاز الرائع الذي يظهر للجميع ليخبرهم أني لست أقل من إحداهن. بعد الطفل الأول تركزت مهمتي في إنجاب أخا له قبل أن أقيم الموقف و أعد العدة للرحيل حتى لا ينشأ ابني وحيدا فأنا أعلم يقينا أن هناك أزمة زواج و الفتاة لا تتزوج إلا بشق الأنفس فما بال المطلقة و معها طفل, إذن فليكونوا اثنين. بعد حملي بالطفل الثاني أحسست أن مهمته قد انتهت و أنه لم يعد شيئا بالنسبة لي, أحسست برفضي يتزايد و كثرت المشاكل فيبدو أن هذا الرفض وصله بشكل أو بآخر و لو لم يشعر, كنت أنتظر أن ينفصل عني و لكنه ................. أبله و أعمى في آن واحد قلت لا بأس فهذا يعطيني الفرصة كي أقيم وضعي و أتصرف على مهل. القدر يريد غير ذلك فقد ماتت أمي بعد ولادة الطفل الثاني بأسابيع, جاء الموت فجأة و اختطفت أمي من بيننا اختطافا, تلك الحادثة التي زلزلت كياني و أشعرتني بالانكسار, لم يعد لي ظهر يحميني, حقيقة لم يعد لي حضن حنون أرتمي فيه بعد أزمتي التي خططت لها, شعرت بالبرودة تتسرب من أطرافي إلى كياني, ليس هذا فقط بل تزوج أبي سريعا و لم يعد لي مكان في بيته بطفلي. و هكذا انعطفت منعطفا آخر إذ يجب أن تستمر الحياة هكذا و بأي ثمن مع هذا المعتوه ذو الآراء الغريبة و الكلام الأعجب, ذلك المنفصل عن واقعنا إلى دنيا الزهور و الورود و قيمة الإنسان, ذلك اللا هث وراء حقوق الناس و حق الإنسان, كم كنت أضحك في نفسي حين يعطف على الفقراء و يشعر الفقير أنه سيده حتى لا أكاد أعرف من طالب الحسنة من من. لا أنسى في حفل تخرج الولد الأكبر في الكلية العسكرية حين انفجر باكيا أثناء ترديد القسم و تسليم العلم للدفعة الأصغر, أحسست يومها أن الكرسي الذي أجلس عليه يبتلعني ثم تكرر المشهد يوم تخرج ابني الثاني في نفس الكلية, وقتها حمدت الله على أنني أنجبت رجالا أشداء و ليس كهذا الضعيف المرهف. ينظر للاشئ و أنظر للاشئ. بدأ الكتابة في عمر السابعة و الأربعين و بينما كنت أسخر منه و أريه عدم الاهتمام كنت أشعر أن شيئا ما يتغير و لكني لا أعلم ما هو, مضت الأيام و تأكدت بحاستي أن هناك امرأة أخرى, لكن من هي لم أعرفها و لكن كان علي أن آخذ خطوة احترازية فأخذت أشعره بعدم أهميته و صغر حجمه و أشعره بعجزه المادي و الأدبي و أنه إذا اختار امرأة ذات مال فإنه سوف يعيش ذليلا و يكون مثيرا للسخرية و الشفقة معا و إنه إذا
2
عاد لي فلن أقبله فقد كنت أعلم أنه جبان و لا يقوى على اتخاذ قرار كهذا بسهولة, كنت كمن يصوب على هدف في االظلام الدامس يراني و لا أراه و لكن من هي تلك البلهاء الملعونة التي آمنت برجل كهذا ليصبح كاتبا و الغريب أنه كان ينجح يوما بعد يوم رغم عدم تصديق الجميع. وصلت السيارة و نزلنا و مازال مشدوها يسير و لا يلقي بالا إن كنت أمامه أم خلفه و مر الحفل بطيئا مملا فأنا لا أخرج معه إلا للضرورات و لا أطيق الجلوس أو المشي بجانبه, بعد التقاط الصور غادرنا و بقيت مدللته مع صديقاتها, أثناء عودتنا كنت أفكر في تلك المرأة التي تصبر تسع سنوات دون أن يرتبطا, لابد أنها معتوهة هي الأخرى فأنا أعرف أنه يعرف الكثيرات من البلهاوات على الشبكة العنكبوتية, أظهرت له عدم الاهتمام و كنت ألمزه بين الحين و الحين فيخبرني أنهن كاتبات و ناشطات و شاعرات, أكاد أقسم أنها إحداهن و لكن أيا منهن؟ أظن أن الوضع لا يختلف إن كانت سوسن أم ليلى فالأزمة هي الأزمة.
قدمت الغداء ببرود أكثر من المعتاد و أكل شاردا أكثر من المعتاد و في الليل كان جنسا غائبا عن الوعي كالمعتاد و تنافرت وجوهنا لتلتقي ظهورنا كالمعتاد ولكن أظنه يفكر و يفكر بانفعال, فقد ربيته سبعة و عشرون عاما, مؤكد أني فشلت في تربيته في النهاية و لكني أعرف عندما يبدأ بالتفكير العميق. يا هل ترى فيم يفكر الآن؟
أحدق في الهواء, في الفراغ, تظنني شاردا و لست كذلك فوعيي يعمل بشكل فائق كالعادة, أسجل, أرصد, أتابع, امرأتان على النقيض تماما, إحداهما زوجة و الأخرى حبيبة, أما الزوجة فكان أمامها الفرصة و لم تأخذها و أما الحبيبة فلم تعطني الفرصة و تحددت العلاقة في رسالة كل عدد كبير من الأيام لدرجة أني كنت أظنها نسيتني فأجدني مازلت موجودا, المسالة معقدة جدا فحبيبتي تخاف الحب و تخاف الجرح و تخاف أن ترتبك حياتها التي رتبتها بلا رجل, جمعتانا صدفة غريبة فكلانا يعشق الفنون فعندما أحسست أن الحياة بلا معنى اتجهت لمتابعة الفنون, تكررت لقاءتنا دون قصد, كل ما يربطني بها حزمة من ألياف زجاجية و عنوان بريد إلكتروني لا أكثر, نتراسل أحيانا, ترد و غالبا لا ترد و لكني دائما أتذكرها في الربيع و دائما ترد على رسالة الربيع, صارحتها و شرحت لها كل شئ و لكن حبيبتي تخاف أن تفقد ذاتها, تخاف أن تتكئ على كتف رجل, قبلتها بضعفها و قوتها, بذبذبتها و عمقها, بخوفها و إقدامها, بإحجامها و جرأتها, تخاف أن يربك حبي حياتها بالرعم من تأكيدي لها أني أفهم و لسوف أساعدها بكل ما أمتلك من قوة, حببيبتي متفوقة علي فهي الأعلى ثقافة و الأكثر إلماما باللغات و الأكثر حضورا و عمقا و لكن حين تحب تتهاوى الجدر و تذوب المسافات و يصبح الاثنين في واحد, ما قيمة عقد ورقي من ضمن بنوده أنه قابل للإلغاء, هذا ليس العقد الحقيقي, الحقيقي هو أن تنبني بموجبه علاقة قابلة للتطور, أن يحدث حورا مرئيا و غير مرئي, مسموعا و غير مسموع, عرفتني حبيبتي على معنى الألم, ألم الفقد الحقيقي و بموجب ذلك أصبحت إنسانا آخر بينما عرفتني زوجتي على الفرق ما بين الجرح و التجريح, ربما كنت نوعا غريبا من البشر فجروحي لا تلتئم و التجريح يترك خدوشا تدمى و لا أحب حبا حقيقيا إلا مرة واحدة في عمري ............. انتظر ........... صوت بداخلي يهمس بشئ .... أصيخ
3
السمع و لا أفسره ........... فحبي الحقيقي هو حبي الحقيقي و هو الأول و الأخير, سامحك الله أيتها الحبيبة فلقد استفذت فرصتي معك ............. بم تهمس في داخلي أيها الملعون......... و ها أنا أبدأ علاقة جديدة مع مطلقة طيبة حنونة و لكن ................. . .
|
إهداء: منك و إليك , آخر قصصي فيما أظن. |
الأحد، 17 يوليو 2011
بين امرأتين
الاثنين، 30 مايو 2011
مجرد ظن (قصيدة)
إن كنت تظنين حبي عاديا أخطأت الظن
إن كنت تظنيه قصة أحمق من أهل الفن
إن كنت تظنيه أحلام حمقى أوجوع مسن
إن كنت تظنيه سحر جمال قلبي منه يئن
تكونين لرابع مرة سيدتي أخطأتي الظن
فجمالك ليس جمالا عاديا تدركه العين
و ما عينيك سماء صافية زرقاء اللون
ولا السمراء أو الشقراء أو بين البين
فروحك سيدتي أبهى من كل الحسن
فروحك سيدتي أطهر من ماء المزن
فروحك سيدتي من خلف جدار الحزن
أعشقها أناجيها أناديها و هذا لأن
أحبت روحي الروح ما العيب إذنالأربعاء، 25 مايو 2011
امرأة من دمي (قصة)
تتغامز الممرضات و تقول إحداهن للأخرى: و تدعي الفاجرة أنهاعذراء.
يقول الطبيب : تقولين أن حملك استمر ثلاثة أعوام يا حلوة ...... أليس كذلك؟
ترد غير هيابة: كما قلت لك من قبل.
بعد ولادة الطفل بثوان تحول إلى رجل كبير هو أنا و خرج الجميع عدوا من الغرفة في هلع.
ما أن نظرت إلى المرأة حتى تحولت إلى سحابة لا لون لها اقتحمت أنفي عنوة, بعدها أحسست ألما حادا عميقا عاصرا في صدري لا يحتمل , توجهت إلى دار الأيتام و كان تصوري أن أجد أما بديلة فقد تخف حدة الألم و ما أن قابلت الموظف الطيب و حكيت له القصة حتى وجهني إلى الطبيب الذي بوسط المدينة لعلي أجد الحل عنده.
ابتسم الطبيب بعد أن أجرى الكشف و قال: إن هذه الآلام لن تشفى إلا باقتلاع الضلع الأيسر المواجه للقلب.
قلت : أرجوك أنقذني بسرعة.
قال: هناك مشكلتان ..... الأولى أن العملية يجب أن تتم بدون مخدر.
قلت جزعا: و هل سأتحمل ذلك؟
قال: هذا قدرك.
قلت: والثانية؟
قال: أنه يجب أن تجري الجراحة لنفسك.
دهشت و قلت: هذا مستحيل.
أضاف منهيا المقابلة : كل ما أستطيع أن أساعدك به أن أعطيك هذا المبضع و الله معك.
توجهت إلى منزلي و أنا في قمة الحيرة و الإحباط فوجدت أثاث المنزل قد اختفى إلا من قطعة من الحصير , تمددت عليها منهكا و ذهبت في نوم عميق. استيقظت فوجدت امرأة غاية في الجمال ممددة بجواري.
سألت منبهرا: من أنت ؟ ............... أنت تشبهين امرأة أعرفها.
قالت : صباح الخير ............ أنا ضلعك.
قلت: هل أنت أمي؟
قالت : أنا أمك و ابنتك في نفس الوقت.
قلت : و لكن الطبيب قال ...........................
وضعت يدها الموشومة بالحناء على فمي بهدوء و قالت: من قال لك أن الطبيب يعرف كل شئ.
إهداء: إلى ذات العينين الساحرتين , سحرهما أنهما مرآة لروحها
الاثنين، 16 مايو 2011
جي جي (قصة)
جي جي
1
لا تشرق الشمس بدون جي جي فشعرها مأخوذ من أشعة الشمس , لا يبزغ القمر بدون جي جي فلونها مأخوذ من ضوء القمر , لا تلعب الفراشات بدون جي جي فهي فراشة رقيقة دقيقة الملامح نحيلة الجسم لا يمكن أن تتخيل أنها في العشرينات من عمرها, دلالها مع خفة ظلها و بديهتها جعلها محط أنظار شباب البلدة. الكل يحلم بجي جي و يا هل ترى بمن تحلم
جي جي؟ . جي جي تطلب كوبا من الشاي من أخي صديقتها و تنطق اسمه بدلال و تقطع الكلام بطريقة مغرية مع الضغط على بعض الأحرف قائلة: أحمد ........... اصنع لي كوبا من الشاي لو ........... سمحت . يتدحرج أحمد كالكرة المنتفخة إلى المطبخ ليصنع الشاي لأميرته و معشوقته و يضع فيه كل المهارات التي تعلمها و كل امله أن ينال الشاي رضاها , يهرول إلى جي جي بكوب الشاي بينما ترمقه أخته بنظرة غير مباشرة و ابتسامة خبيثة لا تخلو من شفقة, يقف منتظرا حتى ترشف جي جي رشفة لتهز رأسها و تقول : شاي رائع يا أحمد. تتهلل أسارير وجهه الممتلئ و يسدد نظره إليها فتدير وجهها عنه موجهة الكلام لأخته متجاهلة إياه تماما فيحمر خجلا و ينصرف لغرفته خائب الرجاء, ينظر في المرآة فيرى نفور في جسده من كل جانب , يضغط بطنه بيديه و ينظر إلى نفسه من الجانب فيدرك أنه مازال نشازا, لا يمكن لعصفورة أن تقبل كتلة كتلك هكذا يحدث نفسه. لم لا تخطب فاطمة إنها صديقتي منذ الطفولة و هي فتاة مهذبة و جميلة تحادثه أخته بحنان. يرد في خجل: و لكنني لا أميل إليها. تهز رأسها في أسى و تتركه غارقا في حلمه الوحيد. المشكلة أن شكلي منفر فعلا , لو أني فتاة لما تمنيت أبدا أن أرتبط برجل بهذا الكم من الشحم هكذا كان يفكر. يتحين الفرصة حتى يجد جي جي بمفردها و يختلس اللحظات بسرعة البرق و يسأل مباشرة: جي جي ما مواصفات فتى أحلامك ؟
- أريده رشيقا ممشوقا رياضيا ذو مستقبل و مكافح , أريده رجلا يعتمد عليه كي أشعر معه بالأمان و يحبني حبا جما , مخلصا رومانسيا منطلقا ......... آه ........ أشعر بصداع ........ أحمد ....... أريد كوبا من الشاي .. لو .... سمحت. يهرول أحمد إلى المطبخ و تكاد الدموع تفر من عينيه , يصنع كوب الشاي بنفس الإخلاص , تشرب جي جي الشاي و تتجاهله كالعادة, ينسحب مع أذيال الخيبة إلى غرفته. لم ينم أحمد ليلتها إذ أخذ يفند ما عنده و ما ليس عنده, لم ينم ليال بعدها ,
2
أعياه التفكير, احمرت عيناه و استطالت لحيته و تشعث شعره , يجلس أمام التلفاز ليبكي بحرقة أمام أغاني عبد الحليم القديمة, تربت عليه أخته معاتبة: ما يبكيك هكذا؟ لقد سمعت تلك الأغاني مائة مرة. – لم أحسها قبل اليوم. تنظر إليه بأسى و تطفئ التلفاز عنوة ليكف, يقوم ليدخل غرفته و يبقى مفتوح العينين يفكر. الأب و الأم يراقبان الموقف بقلق و الأخت تطمئنهما أنه سيكون بخير. بعد عدة أيام أصبح صباحا ليفاجأ الجميع أنه يستحم و يحلق ذقنه و يهذب شعره و يتوجه إلى الكلية و استبشر الجميع خيرا و حين عاد ظهرا أعلن عن بدأ النظام الغذائي و قد أحضر قائمة بالطعام المسموح به كما و نوعا و أعجب الجميع بهذا التحول الإيجابي و تمنوا له التوفيق إلا أنه فاجأهم بالتوجه لصالة الألعاب الرياضية هنا تدخل الوالدان فهو شاب متفوق و ينتظر تعيينه معيدا بالجامعة إذا واصل تفوقه فهو في السنة النهائية و لم يبق على الاختبار سوى ثلاثة أشهر و لكن امام إصراره و توسط أخته رضخ الوالدان. بدأت النتائج تظهر سريعا فعلى قدر إخلاصه في حبه كان إخلاصه في البرنامج الغذائي الرياضي. اختفت جي جي أيضا استعدادا للاختبار النهائي. دخل الشاب الاختبارات شخصا جديدا , نحيفا , ممشوقا , رياضيا أذهل منظره كل زملاءه. حينما رأته جي جي جذبته من كم قميصه صائحة مهنئة: تبدو رائعا. انشرح فؤاده بملاحظتها و صنع لها الشاي دون أن تطلبه و قدمه. الآن تطول جلسات جي جي مع أخته و تأخذ طابعا من السرية, يحاول أن ينفرد بها و لا تعطيه الفرصة , جي جي تنفلت منه كالزئبق و تتسرب منه كما يتسرب الماء من كفه. ظهرت النتيجة و تسربت من يده وظيفة المعيد و اختفت جي جي لمدة شهرين في القاهرة و كلما سأل أخته أخبرته أنها عند عمتها . دخلت أخته بالدعوة العائلية و سلمتها للأم و تساءل أحمد عن الدعوة فأخبرته الوالدة أنه زفاف جي جي , كانت الأم تراقب خلجاته كمن يستكشف إنسان الغاب. حاول الضغط على أعصابه , طبعا سيحضر ليسدد لها نظرة حارقة هكذا أضمر في نفسه. ما أن رأى العريس حتى انفجر ضاحكا فالعريس عبارة عن توأم فيل ملتصق , زادت هستيريا الضحك حتى أصبح الموقف حرجا فسحبه والده من يده إلى حمام القاعة و أمره أن يسيطر على نفسه أو يغادر , غسل أحمد الممشوق وجهه و نظر لنفسه في المرآة نظرة أحرقته هو. توجه إلى القاعة هادئا و ما أن بدأ الرقص حتى اندفع يرقص بخفة و رشاقة و تدريجيا استطاع أن يحل
3
محل العريس الذي وقف يلتقط أنفاسه . أخذ يسدد لها النظرات الساخرة و هي تحاول أن تتفادى عينيه قدر المستطاع ثم أطلق صيحة : ماذا يا جي جي هل أصنع لك شايا؟ نظرت إليه معاتبة لكنه أولاها ظهره و توجه إلى مقعده, في نهاية الحفل مشى الجميع وراء العروسين إلى السيارة و هنا صاح الممشوق تارة أخرى: السيارة لا تقل عن نصف مليون جنيها. صب الرصاص المصهور في أذنيها و لكنها نظرت إليه نظرة متحدية وقحة منزوعة الخجل و هكذا كانت هذه هي المرة الأولى التي تكشف فيها جي جي عن وجهها الحقيقي. اعتزل الدنيا في غرفته الرمادية لقد سدت مسامه فما حاجته للناس, ينام طويلا فهو يريد أن يقتل ما بقي في نفسه من شعور و يخشى لو استيقظ أن يشعر بنفسه فإن شعر بها لابد أن يتحرك رغما عنه, أشعث الشعر فإذا نظر في المرآة ألغى مخه منظر شعره , طويل اللحية فمن أين له القدرة على التحرك ليصبح إنسانا, يخدعه مخه و يوهمه أنه بهذه اللحية أكثر وسامة, لا يستحم فمن أين له الطاقة و سعة الصدر ليتوجه إلى الحمام و يفتح الصنبور و ينتظر الماء الساخن ثم أنه ميت و هل رأينا ميتا يحتاج للاستحمام, يأكل بشراهة في غرفته و يترك بقايا الطعام في الصينية حتى يرفعها أحدهم فهو يشعر بالخواء من الداخل و كلما ملأ الفراغ طعاما لا يمتلئ فيأكل أكثر ثم ذلك الشعور الطيب بالخدر يساعده على ما يريده من انعدام الشعور و النوم لفترات أطول.زاد وزنه ثلاثون كيلوجراما في ثلاثة أشهر و الأسرة تسأل الله اللطف بابنهم إلى أن أخذته أخته الواعية إلى الطبيب النفسي , نهره الطبيب العجوز الشاب و وصفه بأنه خليع عديم الرجولة و بينما حاولت الأخت التدخل لوقف سيل السباب إلا أن أخاها أمرها بالصمت و بعد أن انتهى الطبيب علق الشاب بأن كلامه كله صحيحا. أمر الطبيب بدخوله المستشفى النفسي و استجاب الشاب لأمر الطبيب مقتنعا, كيف تنبني الثقة في لحظات ؟ , لعله الصدق. رآها في المستشفى ترسم لوحة, لم يكن الرسم بديعا جدا و لكنه أعجبه ربما لأنه كان معبرا أو مختلفا, أخذ يراقبها , سمراء, سوداء الشعر, أنثوية الجسد, تركز في لوحتها و لا تشعر بما حولها, سرعان ما انعقدت في ذهنه مقارنة بينها و بين جي جي, انزعج كثيرا من هذه المقارنة, لربما أعجبته لأنها نقيض جي جي و سرعان ما ابتعد و لكن ......... و لكنه يريد أن يرى اللوحة و هي تولد جزءا جزءا, استهوته تلك الفكرة, بدأ يراقبها من بعد و يتمتع بهذا البناء الذي يراه لأول مرة يتكون أمامه,
4
فجأة التفتت خلفها و سرعان ما عادت للوحتها أما هو فشعر أنه لص يسرق شيئا ليس من حقه و سرعان ما ذاب في الجموع مختفيا عنها. في الجلسة الصباحية لقراءة الجرائد جلست إلى جواره أما هو فكان قلبه يرتعد و يتساءل هل لاحظته أم أنها صدفة ؟. و بعد الجلسة وجهت له السؤال مباشرة : لماذا لم تكلمني من قبل ؟
- أجاب مرتبكا: خائف.
و ابتسمت مشجعة: لماذا لا تضع خوفك على خوفي.
- سيزيد الخوف.
- بل سيقل.
- أنتم في هذا المكان تتحدثون بكلام غريب, كم لك هنا؟
- ثلاثة أشهر.
- و تعلمت هكذا كلام بهذه السرعة؟
- إن كان لك قلب , إن كان جهاز استقبالك يعمل ستتعلم أسرع مما تتخيل.
أطرقت ثم رفعت رأسها إليه و بعينين شجاعتين سألته: ماذا تريد الآن؟
أجاب مازحا : أريد أن أرسم لوحة.
- هيا تفضل.
- لا أعرف ......... لم أكن ماهرا في الرسم يوما ما.
- يكفي أن تضع بعض الخطوط في لوحة.
- لست عاجزا عن ذلك و لكنه لن يفعل شيئا.
- ماذا تريد غير ذلك الآن؟
- أريد أن أبصق على فتاة ما.
- هاك تفضل. ناولته و رقة و قلما ثم أضافت : هيا افعل الآن و إلا لن تفعل أبدا.
أعطته الورقة و القلم و انصرفت إلى لوحتها. بيد مرتعشة كتب (شكرا يا ابنة الكلب) و سرعان ما مزق الورقة ثم كتب (شكرا يا غانية) ثم طوى الورقة و ألقاها ثم كتب (شكرا يا خسيسة) و لكنه لم يستسغ ذلك أيضا و مزق الورقة, جلس يدخن سيجارة و قد هدأت جوارحه ثم انطلق يكتب و يكتب ثم طوى الورقة و وضعها في جيبه, في ميعاد الغداء قابلته و استهلته قائلة: ماذا كتبت؟
- لن أخبرك الآن.
- أنت حر .... و لو أنك أثرت فضولي.
- سأخبرك في جلسة الأنشطة مساء.
5
في جلسة الأنشطة يجتمع الناس و المطلوب من كل شخص أن يغني أغنية أو يلقي نكتة أو أن يلقي شعرا أو نثرا و جاء دوره فنظر إليها و قال: شكرا مولاتي شكرا
لولاك ما قلت شعرا
ما أحسست حبا
ما كنت بشرا
هذا لا يعنيك و غيرك يعتني جدا
لا تخافي ....... لن أحبك قسرا
لن أطاردك ظهرا و عصرا
فأنت لا تعني شيئا
لاتفهمي شيئا
لم تبلغي رشدا
لست إلا شعرا و خصرا
لست إلا نهدا و قدا
لست إلا جسدا
لست إلا شمعا
انسحقي أو انصهري
فلست أرى لك قلبا
كان ينظر في عينيها و هي تسمع شعره فيمسك شعاع الشمس بيد و بالأخرى ضوء القمر, كان يداعب الفراشات طفلا رشيقا و كانت هي تسمع شعره بكل جزء في جسدها , تتذوقه بكل جارحة من جوارحها, تنغمس فيه قلبا و روحا, أصبح لما يقوله معنى لأنها تسمعه.
- قاربت على الانتهاء من من اللوحة.
- قاربت على الانتهاء من قصيدة.
- أتتزوجني؟
- هل أنت مجنونة؟
- هل انت مجنون؟
في حفل العرس كان العريس نحيفا ممشوقا رياضيا و كانت العروس سمراء فاحمة الشعر شديدة الأنوثة شديدة الإغراء.
- نظر إليها قائلا: شكرا جي جي.
- نظرت إليه ممازحة: هل عاودتك النوبة।।
إهداء: إلى كل امرأة فجرت طاقة الإبداع في رجل.
قصة شهيد (قصة)
قصة شهيد
شئ ما ارتطم برأسي, ما هذا؟لا أشعر بقدمي , لا أستطيع تحريك يدي . لم أشترك في مظاهرة طوال عمري لكن أحسست أنني يجب أن أشترك اليوم, صليت الجمعة مع الآلاف , نظرت في عيونهم .. نظرتهم تختلف عن قبل ثلاثة أيام , في عيونهم شئ جديد, يبدو أنهم أدركوا أنهم يستطيعون, شئ يتسرب من رأسي , أشعر به يسري لزجا على رقبتي. منتهى أملي كان إقالة وزير الداخلية , كنت أشعر بالظلم , أريد الانتقام لآلاف عذبوا و قتلوا بدون ذنب اقترفوه , روقبت عدة مرات و كنت أشعر بالمراقبة و عندما سألت أحد الواصلين لم يبخل علي بالإجابة ألا و هي أن الهاجس الأمني لدى ضباط أمن الدولة يعد كافيا لمراقبتي لأتفه الأسباب و أضاف أنني يجب أن أحمد الله أنهم لم يستدعوني ليروني ألوان العذاب لمجرد الاشتباه , عندما سمعت هذا ازداد كرهي لهم و حقدي عليهم , لم تعد قضيتي بمفردي , إنها قضية شعب يرزح تحت نير الظلم و القهر , لكن لماذا لا أستطيع فتح عيني؟ أشعر بالخدر يسري في جسدي و لكني لست خائفا ....... لست خائفا ياللعجب لقد كنت أرتعد عندما أسمع عن قصص من ماتوا تحت التعذيب و اليوم لا أخشى شيئا ؟ أشعر براحة غريبة و لكن يبدو ........ يبدو أنني أحتضر , يبدو أنني لن أرى نتيجة ما بدأ اليوم , لا يهمني إن كنت أحتضر أم لا , كل أمنيتي أن يطول عمري لأرى نتيجة ما بدأ , أنا مطمئن لقد رأيت في عيونهم الجرأة و التصميم .... لقد هزموا الخوف و لكن ...... أشعر بالنعاس يغلبني , فلأغفو قليلا و أستيقظ لأواصل النضال।
إهداء। : إلى روح الشهيد