تنطلق السيارة متهادية إلى الجامعة فالوقت ظهرا و الزحام على أشده, لم يكن الأمر كذلك منذ سبعة و عشرون عاما حين تزوجته. اليوم حفل تخرج فلذة كبده, مدللته, آخر العنقود, يحدق في الفراغ و لا يتكلم و ما حاجتي للكلام معه, بل ما حاجتي إلى الكلام أصلا, لا أنسى حين تزوجنا, كان ثرثارا كثير الكلام و أخذ كلامه يقل تدريجيا و بعد عشرون عاما من زواجنا و مع تخرج ابننا الأكبر أصيب بالخرس. قد كان غريب الأطوار منذ أن تزوجته يتكلم بكلام غريب لا منطق فيه و لا عقل, كنت أشك في قواه العقلية منذ أن تزوجته, بل كان يبدو لي غريبا في فترة الخطوبة و لكني.............. أكملت, كان من الصعب أن أنفصل بعد زواجنا بأسابيع, رفضت الفشل, إذن ماذا سيقول الناس عني؟ كما أن حملي جاء سريعا, الحمل ذلك الإنجاز الرائع الذي يظهر للجميع ليخبرهم أني لست أقل من إحداهن. بعد الطفل الأول تركزت مهمتي في إنجاب أخا له قبل أن أقيم الموقف و أعد العدة للرحيل حتى لا ينشأ ابني وحيدا فأنا أعلم يقينا أن هناك أزمة زواج و الفتاة لا تتزوج إلا بشق الأنفس فما بال المطلقة و معها طفل, إذن فليكونوا اثنين. بعد حملي بالطفل الثاني أحسست أن مهمته قد انتهت و أنه لم يعد شيئا بالنسبة لي, أحسست برفضي يتزايد و كثرت المشاكل فيبدو أن هذا الرفض وصله بشكل أو بآخر و لو لم يشعر, كنت أنتظر أن ينفصل عني و لكنه ................. أبله و أعمى في آن واحد قلت لا بأس فهذا يعطيني الفرصة كي أقيم وضعي و أتصرف على مهل. القدر يريد غير ذلك فقد ماتت أمي بعد ولادة الطفل الثاني بأسابيع, جاء الموت فجأة و اختطفت أمي من بيننا اختطافا, تلك الحادثة التي زلزلت كياني و أشعرتني بالانكسار, لم يعد لي ظهر يحميني, حقيقة لم يعد لي حضن حنون أرتمي فيه بعد أزمتي التي خططت لها, شعرت بالبرودة تتسرب من أطرافي إلى كياني, ليس هذا فقط بل تزوج أبي سريعا و لم يعد لي مكان في بيته بطفلي. و هكذا انعطفت منعطفا آخر إذ يجب أن تستمر الحياة هكذا و بأي ثمن مع هذا المعتوه ذو الآراء الغريبة و الكلام الأعجب, ذلك المنفصل عن واقعنا إلى دنيا الزهور و الورود و قيمة الإنسان, ذلك اللا هث وراء حقوق الناس و حق الإنسان, كم كنت أضحك في نفسي حين يعطف على الفقراء و يشعر الفقير أنه سيده حتى لا أكاد أعرف من طالب الحسنة من من. لا أنسى في حفل تخرج الولد الأكبر في الكلية العسكرية حين انفجر باكيا أثناء ترديد القسم و تسليم العلم للدفعة الأصغر, أحسست يومها أن الكرسي الذي أجلس عليه يبتلعني ثم تكرر المشهد يوم تخرج ابني الثاني في نفس الكلية, وقتها حمدت الله على أنني أنجبت رجالا أشداء و ليس كهذا الضعيف المرهف. ينظر للاشئ و أنظر للاشئ. بدأ الكتابة في عمر السابعة و الأربعين و بينما كنت أسخر منه و أريه عدم الاهتمام كنت أشعر أن شيئا ما يتغير و لكني لا أعلم ما هو, مضت الأيام و تأكدت بحاستي أن هناك امرأة أخرى, لكن من هي لم أعرفها و لكن كان علي أن آخذ خطوة احترازية فأخذت أشعره بعدم أهميته و صغر حجمه و أشعره بعجزه المادي و الأدبي و أنه إذا اختار امرأة ذات مال فإنه سوف يعيش ذليلا و يكون مثيرا للسخرية و الشفقة معا و إنه إذا
2
عاد لي فلن أقبله فقد كنت أعلم أنه جبان و لا يقوى على اتخاذ قرار كهذا بسهولة, كنت كمن يصوب على هدف في االظلام الدامس يراني و لا أراه و لكن من هي تلك البلهاء الملعونة التي آمنت برجل كهذا ليصبح كاتبا و الغريب أنه كان ينجح يوما بعد يوم رغم عدم تصديق الجميع. وصلت السيارة و نزلنا و مازال مشدوها يسير و لا يلقي بالا إن كنت أمامه أم خلفه و مر الحفل بطيئا مملا فأنا لا أخرج معه إلا للضرورات و لا أطيق الجلوس أو المشي بجانبه, بعد التقاط الصور غادرنا و بقيت مدللته مع صديقاتها, أثناء عودتنا كنت أفكر في تلك المرأة التي تصبر تسع سنوات دون أن يرتبطا, لابد أنها معتوهة هي الأخرى فأنا أعرف أنه يعرف الكثيرات من البلهاوات على الشبكة العنكبوتية, أظهرت له عدم الاهتمام و كنت ألمزه بين الحين و الحين فيخبرني أنهن كاتبات و ناشطات و شاعرات, أكاد أقسم أنها إحداهن و لكن أيا منهن؟ أظن أن الوضع لا يختلف إن كانت سوسن أم ليلى فالأزمة هي الأزمة.
قدمت الغداء ببرود أكثر من المعتاد و أكل شاردا أكثر من المعتاد و في الليل كان جنسا غائبا عن الوعي كالمعتاد و تنافرت وجوهنا لتلتقي ظهورنا كالمعتاد ولكن أظنه يفكر و يفكر بانفعال, فقد ربيته سبعة و عشرون عاما, مؤكد أني فشلت في تربيته في النهاية و لكني أعرف عندما يبدأ بالتفكير العميق. يا هل ترى فيم يفكر الآن؟
أحدق في الهواء, في الفراغ, تظنني شاردا و لست كذلك فوعيي يعمل بشكل فائق كالعادة, أسجل, أرصد, أتابع, امرأتان على النقيض تماما, إحداهما زوجة و الأخرى حبيبة, أما الزوجة فكان أمامها الفرصة و لم تأخذها و أما الحبيبة فلم تعطني الفرصة و تحددت العلاقة في رسالة كل عدد كبير من الأيام لدرجة أني كنت أظنها نسيتني فأجدني مازلت موجودا, المسالة معقدة جدا فحبيبتي تخاف الحب و تخاف الجرح و تخاف أن ترتبك حياتها التي رتبتها بلا رجل, جمعتانا صدفة غريبة فكلانا يعشق الفنون فعندما أحسست أن الحياة بلا معنى اتجهت لمتابعة الفنون, تكررت لقاءتنا دون قصد, كل ما يربطني بها حزمة من ألياف زجاجية و عنوان بريد إلكتروني لا أكثر, نتراسل أحيانا, ترد و غالبا لا ترد و لكني دائما أتذكرها في الربيع و دائما ترد على رسالة الربيع, صارحتها و شرحت لها كل شئ و لكن حبيبتي تخاف أن تفقد ذاتها, تخاف أن تتكئ على كتف رجل, قبلتها بضعفها و قوتها, بذبذبتها و عمقها, بخوفها و إقدامها, بإحجامها و جرأتها, تخاف أن يربك حبي حياتها بالرعم من تأكيدي لها أني أفهم و لسوف أساعدها بكل ما أمتلك من قوة, حببيبتي متفوقة علي فهي الأعلى ثقافة و الأكثر إلماما باللغات و الأكثر حضورا و عمقا و لكن حين تحب تتهاوى الجدر و تذوب المسافات و يصبح الاثنين في واحد, ما قيمة عقد ورقي من ضمن بنوده أنه قابل للإلغاء, هذا ليس العقد الحقيقي, الحقيقي هو أن تنبني بموجبه علاقة قابلة للتطور, أن يحدث حورا مرئيا و غير مرئي, مسموعا و غير مسموع, عرفتني حبيبتي على معنى الألم, ألم الفقد الحقيقي و بموجب ذلك أصبحت إنسانا آخر بينما عرفتني زوجتي على الفرق ما بين الجرح و التجريح, ربما كنت نوعا غريبا من البشر فجروحي لا تلتئم و التجريح يترك خدوشا تدمى و لا أحب حبا حقيقيا إلا مرة واحدة في عمري ............. انتظر ........... صوت بداخلي يهمس بشئ .... أصيخ
3
السمع و لا أفسره ........... فحبي الحقيقي هو حبي الحقيقي و هو الأول و الأخير, سامحك الله أيتها الحبيبة فلقد استفذت فرصتي معك ............. بم تهمس في داخلي أيها الملعون......... و ها أنا أبدأ علاقة جديدة مع مطلقة طيبة حنونة و لكن ................. . .
|
إهداء: منك و إليك , آخر قصصي فيما أظن. |
الأحد، 17 يوليو 2011
بين امرأتين
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)